واللام في قوله: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ متعلقة بـ ﴿خلقنا﴾؛ أي: خلقناكم على هذا النمط البديع، لنبين لكم كمال قدرتنا، بتصريفنا أطوار خلقكم، وجميل نظامنا وعظيم حكمتنا، التي من جملتها أمر البعث والنشور، فإن من قدر على خلق البشر أوّلًا، من تراب، لم يشم رائحة الحياة قط.. فهو قادر على إعادته. وقوله: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ﴾؛ أي: ونبقي في أرحام النساء، بعد تمام خلقه، ﴿مَا نَشَاءُ﴾ أن نقره فيها من الأجنة ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ ووقت معين؛ أي: إلى الوقت الذي قدّر أن تلد فيه المرأة. كلام مستأنف (١)، مسوق لبيان حالهم، بعد تمام خلقهم؛ أي: ونحن نقر في الأرحام ما نشاء من الأجنة؛ إلى وقت الوضع، وأدناه ستة أشهر عند الكل، وأقصاه سنتان عند أبي حنيفة، وأربع سنين عند الشافعي، وخمس سنين عند مالك، روي أن الضحاك بن مزاحم التابعي، مكث في بطن أمه سنتين، ومالكاً ثلاث سنين، كما ذكره السيوطي، وأخبر الإمام مالك - رحمه الله تعالى - أن جارية له ولدت ثلاثة أولاد، في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل واحد أربع سنين، وقال ﴿ما نشاء﴾، ولم يقل من نشاء؛ لأنه يرجع إلى الحمل، وهو جماد قبل أن ينفخ فيه الروح، وفي الآية إشارة، إلى أن بعض ما في الأرحام، لا يشاء الله تعالى إقراره فيها، بعد تكامل خلقه، فيسقط وتمجه الأرحام.
وقرأ ابن أبي عبلة (٢): ﴿ليبين لكم ويقر﴾ بالياء، وقرأ يعقوب وعاصم في رواية و ﴿نقر﴾ بالنصب عطفًا على ﴿لنبين﴾، وعن عاصم أيضًا ﴿ثم يخرجكم﴾ بنصب الجيم عطفًا على ﴿ونقر﴾ إذا نصب، وعن يعقوب ﴿وَنُقِرُّ﴾ بفتح النون وضم القاف والراء من قر الماء صبه، وقرأ أبو زيد النحوي ﴿ويَقِرَ﴾ بفتح الياء والراء وكسر القاف، وقرأ الجمهور (٣): ﴿نقر﴾ بالرفع على الاستئناف؛ أي: ونحن نقر كما مر، قال الزجاج ﴿نُقر﴾ بالرفع لا غير؛ لأنه ليس المعنى فعلنا ذلك، لنقر في الأرحام ما نشاء، وقرىء ﴿ليبين﴾ ﴿ويقر﴾ ﴿ويخرجكم﴾ بالتحتية

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon