العذاب، إذ عليه وِزْر مَنْ عمل به؛ أي: ليصد المؤمنين بالله عن دينهم، الذي هداهم الله إليه، ويستنزلهم عنه. وبعد أن ذكر فعله وثمرته، ذكر ما أعد له عليه في الدنيا والآخرة فقال: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ جملة مستأنفة (١) مبنية لما يحصل له بسبب جداله من العذاب المعّجل وسوء الذكر على ألسن الناس؛ وقيل: الخزي الدنيوي هو القتل، كما وقع في يوم بدر، والأسر والهزيمة، وقد أسر النضر؛ أي: لذلك المجادل في الدنيا إهانة، وذلك كفاء استكباره عن آيات الله، كما حدث من القتل والأسر بأيدي المؤمنين يوم بدر.
﴿وَنُذِيقُهُ﴾؛ أي: ونذيق ذلك المجادل ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾؛ أي: في الآخرة ﴿عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾؛ أي: العذاب المحرق، وهو النار، والحريق قيل طبقة من طباق جهنم، وقد يكون من إضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: العذاب الحريق؛ أي: المحرق، كالسميع بمعنى المسمع. وقرأ زيد بن علي ﴿فَأُذِيقُهُ﴾ بهمزة المتكلم؛ أي: وسيصلى في الآخرة عذاب النار، ويحرق بلهبها،
١٠ - ثم بين سبحانه، سبب هذا الخزي المعجل والعذاب المؤجل فقال ﴿ذَلِكَ﴾ العذاب الدنيوي والأخروي ﴿بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾؛ أي: بسبب ما عملته من الكفر والمعاصي؛ أي: يقال له يوم القيامة: ذلك الخزي في الدنيا، وعذاب الآخرة كائن بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي: وإسناده (٢) إلى يديه لما أن الاكتساب عادة بالأيدي. ويجوز أن يكون الكلام من باب الالتفات، لتأكيد الوعيد وتشديد التهديد، فكأنه قال: ذلك بما قدمت يداه.
ومحل (أن) ومعموليها في قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: والأمر والشأن أن الله سبحانه وتعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم. وقيل: علة لمحذوف تقديره وقد فعلنا (٣) ذلك لأن الله لا يظلم عباده، فيعاقب بعض عبيده على جرم، ويعفو عن مثله عن آخر غيره،
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.