وقصارى ذلك أنهم استحقوا هذا العذاب لما اجترحوه من الآثام والذنوب، والله لا يظلم أحدًا بغير جرم قد فعله، ومآل ذلك توبيخهم وتبكيتهم، بأنهم هم سبب هذا العذاب.
فإن قلت: الظاهر أن يقال: ليس (١) بظالم للعبيد، ليفيد نفي أصل الظلم، ونفي كونه مبالغًا مفرطًا في الظلم لا يفيد نفي أصله.
قلت: المراد نفي أصل الظلم. وذكر لفظ المبالغة مبني على كثرة العبيد، فالظالم لهم، يكون كثير الظلم، لإصابة كل منهم ظلمًا؛ لأن العبيد دال على الاستغراق، فيكون ليس بظالم لهذا ولا ذلك إلى ما لا يحصى. وأيضًا أن من عدله تعالى، أن يعذب المسيء من العبيد، ويحسن إلى المحسن، ولا يزيد في العقاب، ولا ينقص من الأجر، لكن بناء على وعده المحتوم، فلو عذب من لا يستحق العذاب، لكان قليلُ الظلم منه، كثيرًا لاستغنائه عن فعله، وتنزيهه عن قبحه.
وهذا كما يقال: زَلَّةُ العالم كبيرةٌ.
وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ -، فيما يرويه عن ربه عز وجل، أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا" الحديث. أخرجه مسلم، ويقال من كثر ظلمه، واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه، وشر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم. وفي الآية إشارة؛ إلى أن العبيد ظلّامون لأنفسهم، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بأن يضعوا العبادة، والطلب والاستغاثة في غير موضعها.

فصل في مبحث الجدال


واعلم: أن جدال المنافق، والمرائي وأهل الأهواء والبدع والخرافات مذموم. وأما من يجادل في معرفة الله، ودفع الشبه، وبيان الطريق إلى الله تعالى، بالعلم، وهدي نبيّه - ﷺ -، وشاهد نصّ كتابٍ منيرٍ، يظهر بنوره الحق من الباطل.. فجداله
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon