محمود. قال بعضهم: البحث والتفتيش عما جاءت به السنة، بعدما وضح سنده، وصحّ، يجر الباحث إلى التّعمّق والتوغل في الدين، فإنه مفتاح الضلال لكثير من الأمة، يعني الذين لم يرزقوا بأذهان وقَّادة وقرائح نقادة، وما هلكت الأمم الماضية إلا بطول الجدال، وكثرة القيل والقال، فالواجب أن يعض بأضراسه على ما ثبت من السنة. ويعمل بها، ويدعو إليها، ويحكم بها، ولا يصغي إلى كلام أهل البدعة، ولا يميل إليهم ولا إلى سماع كلامهم، فإنَّ كل ذلك منهي عنه شرعًا. وقد ورد فيه وعيد شديد، وقالوا: الطبع جذاب، والمقارنة مؤثرة، والأمراض سارية.
وقال المولى الجامي - رحمه الله تعالى -: كلام أهل البدعة والأهواء، والخرافات كخوار العجل، فكما أن السامري ضل بذلك الخوار، وأضل كثيرًا من بني إسرائيل، فكذا كل من كان في حكمه، فإنه يغتر بأوهامه وخيالاته، ظنًّا أنها علوم صحيحة، فيدعو أهل الأوهام إليها فيضلهم، بخلاف من له علم صحيح وكشف صريح، فإنه لا يلتفت إلى كلمات الجهال، ولا يميل إلى خوازق العادات، التي تظهر على أيدي أهل البدع والخرافات، استدراجًا لهم التي يسمونها كرامة لهم، ألا ترى من ثبت على دين موسى عليه السلام، لم يصخ إلى الخوار، وعرف أنه ابتلاء من الله، تعالى للعباد، فويل للمجادل المبطل، وويل للسامع إلى كلامه، وقد ذمَّ هذا المجادل بالكبر، وهو من الصفات العائقة عن قبول الحق، ولا شيء فوقه من المذمة.
وعن أرسطو (١): من تكبر على الناس أحب الناس ذلته، وعنه بإصابة المنطق يعظم القدر، وبالتواضع تكثر المحبة، وبالحلم تكثر الأنصار، وبالرفق يستخدم القلوب، وبالوفاء يدوم الإخاء، وبالصدق يتم الفضل. نسأل الله سبحانه، التخلي عن الصفات القبيحة الرذيلة، والتحلي بالملكات الحسنة الجميلة.
١١ - ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ﴾؛ أي: وبعض الناس يعبد الله، سبحانه وتعالى،

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon