حالة كونه ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ وطرف من الدين، لا في وسطه وقلبه، وشك وضعف يقين، فلا ثبات له فيه، كالذي ينحرف على طرف الجيش، فإن أحس بظفر قرّ، وإلّا فرَّ. فالحرف الطرف والناحية. وصف الدين بما هو من صفات الأجسام، على سبيل الاستعارة التمثيلية، كما سيأتي. قال أكثر المفسرين (١): الحرف الشك وأصله من حرف الشيء، وهو طرفه، مثل حرف الجبل والحائط، فإن القائم عليه غير مستقر، والذي يعبد الله على حرف، قلق في دينه، على غير ثبات وطمأنينة، كالذي هو على حرف الجبل، ونحوه يضطرب اضطرابًا ويضعف قيامه. فقيل للشاك في دينه: إنه يعبد الله على حرف؛ لأنه على غير يقين من وعده ووعيده، بخلاف المؤمن؛ لأنه يعبده على يقين وبصيرة. فلم يكن على حرف.
وقيل: الحرف الشرط؛ أي: من الناس من يعبد الله على شرط، والشرط هو قوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ﴾ وناله ﴿خَيْرٌ﴾؛ أي: دنيوي من الصحة والخصب والسعة ﴿اطْمَأَنَّ﴾ وثبت ﴿بِهِ﴾؛ أي: بذلك الخير في الدين، ولا يتزلزل عنه، ويرضى به. ومعنى اطمأن به ثبت على دينه، واستمر على عبادته أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه؛ أي (٢): ثبت على ما كان عليه ظاهرًا لا باطناً، إذ ليس له اطمئنان المؤمنين الراسخين، والاطمئنان: السكون بعد الانزعاج. ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾؛ أي: شيء يفتتن به، من مكروه يصيبه في نفسه أو أهله أو ماله، فالمراد بالفتنة: ما يستكرهه الطبع، ويثقل على النفس، كالجدري والمرض وسائر المحن، وإلا لما صح أن يجعل مقابلاً للخير؛ لأنه؛ أي: الخير أيضًا فتنة وامتحان، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ ولذلك قال بعضهم: وإنما لم يقل: وإن أصابه شرّ، مع أنه المقابل للخير؛ لأن ما ينفر عنه الطبع ليس شرًّا في نفسه، بل هو سبب القربة، ورفع الدرجة، بشرط التسليم والرضا بالقضاء ﴿انْقَلَبَ﴾ وانكبّ ﴿عَلَى وَجْهِهِ﴾؛ أي: ارتدّ ورجع إلى جهته وحالته وطريقته التي كان عليها أولًا، من الكفر. والانقلاب الانصراف والرجوع. والوجه بمعنى الجهة والطريقة، وقال في "بحر العلوم": انقلب على وجهه؛ أي: تحوّل عن
(٢) روح البيان.