الجهة التي أقبل إليها وهي الإسلام، فأنكب ورجع إلى ما كان عليه أوّلًا من الكفر، فـ ﴿على﴾ على هذا بمعنى عن؛ أي: والمعنى فإن أصابه (١) رخاء وسعة في العيش، سكن واستبشر بهذا الخير والدين، فعبد الله، وإن أصابه شرّ وبلاء في جسمه، أو ضيق في معيشته.. ارتدّ ورجع إلى الكفر.
والثبات في الدين إنما يكون إذا كان الغرض منه إصابة الحق، وطاعة الرب، والخوف من عقابه، أما إذا كان المقصد منه الخير المعجّل، فإنه يظهر في السراء، ويختفى لدى الضراء، وهذا هو النفاق بعينه، كما يرشد إلى ذلك. قوله: في المنافقين ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ وقوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾.
وخلاصة ذلك: أن من الناس من ليس له ثبات في أمر دينه، بل هو مرجحٌ مضطربٌ، مذبذبٌ، يعبد الله على وجه التجربة، انتظاراً للنعمة، فإن أصابه خير بقي مؤمنًا، وإن أصابه شر من سقم أو ضياع مال، أو فقد ولد.. ترك دينه وارتد كافرًا.
ثم بيَّن سبحانه، حاله بعد انقلابه علي وجهه، وسوء عاقبة عمله، فقال: ﴿خَسِرَ﴾ وحرم ذلك المنقلب ﴿الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ أي: خيري الدنيا والآخرة؛ أي: ضيعهما وفقدهما، فلا حظَّ له في الدنيا، من الغنيمة والثناء الحسن، ولا في الآخرة من الأجر، وما أعده الله للصالحين من عباده؛ أي (٢): ضيعهما بذهاب عصمته وحبوط عمله بالإرتداد والأظهر أن خسران الدنيا ذهاب أهله، حيث أصابته فتنة، وخسران الآخرة الحرمان من الثواب، حيث ذهب الدين ودخل النار مع الداخلين. وقال بعضهم: "الخسران في الدنيا ترك الطاعات ولزوم المخالفات، والخسران في الآخرة كثرة الخصوم والتبعات".
وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن من طريق الزعفراني وقعنب والجحدري وبن مقسم ﴿خاسر الدنيا والآخرة﴾ اسم فاعل نصبًا على الحال.

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon