وقرىء ﴿خاسر الدنيا﴾ اسم فاعل مرفوعًا على تقدير هو خاسر الدنيا. وقرأ الجمهور: ﴿خَسِرَ﴾ فعلًا ماضيًا، وهو استئناف إخبار. ويجوز أن يكون في موضع الحال، ولا يحتاج إلى إضمار قد؛ لأنه كثر وقوع الماضي حالًا، في لسان العرب بغير قد، فساغ القياس عليه. والإشارة في قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ إلى خسران الدنيا والآخرة، وهو مبتدأ خبره قوله: ﴿هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله لمن تدبر فيه وتفكَّر،
١٢ - ثم أكد عظم ذلك الخسران بقوله: ﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ استئناف مبين لعظم الخسران، فيكون الضمير راجعًا إلى المرتد المشرك المنقلب على وجهه؛ أي: هذا المرتد الذي انقلب على وجهه ورجع إلى الكفر يدعو من دون الله؛ أي: يعبد متجاوزًا عبادة الله إلى عبادة الأصنام. ﴿مَا لَا يَضُرُّهُ﴾؛ أي: معبودًا لا يضره إن ترك عبادته. ﴿وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ إن عبده لكون ذلك المعبود جمادًا، لا يقدر على ضرّ ولا نفع؛ أي: يعبد جمادًا ليس من شأنه الضرّ والنفع، كما يلوح به تكرير كلمة ما. والإشارة في قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ إلى الدعاء المفهوم من الفعل وهو يدعو، وهو مبتدأ خبره قوله: ﴿هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾؛ أي: ذلك الدعاء هو الضلال البعيد عن الحق والهدى، والخطأ البعيد عن الصواب والرشاد، مستعار من ضلال من أبعد في التيه ضالًا عن الطريق، فطالت وبعدت مسافة ضلاله، فإن القرب والبعد من عوارض المسافة الحسية.
والمعنى (١): أي ذلك الارتداد وعبادة تلك الآلهة دون الله، هو السير على غير استقامة، والذهاب على غير هدى، فما مثله إلا مثل من أبعد في التيه ضالًا وبعدت مسافته في ضلاله، فلم يهتد إلى الصراط المستقيم السوي، ولم ينل ما يبتغي، وبلغت به الحيرة كل مبلغ.
١٣ - ثم زاد ما سلف توكيدًا وبين مآل دعائه، وعبادته غير الله تعالى، فقال: ﴿يَدْعُو﴾ وينادي ذلك الكافر، المنقلب يوم القيامة برفع صوت {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ