في قوله: ﴿مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ وأثبتهما لها في قوله: ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ فحصل التعارض والتناقض بين الآيتين.
قلت: أجيب عنه بأنها، لا تضر ولا تنفع بأنفسها، فنفاهما عنها، ولكن يحصل الضرر بسبب عبادتها، فنسب الضرر إليها، كما في قوله تعالى: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾، حيث أضاف الإضلال إليها، من حيث إنها كانت سبب الضلال اهـ، شيخنا.
وفي "البيضاوي": لا يضر بنفسه ولا ينفع، اهـ. وأشار بذكر نفسه إلى الجمع، بين نفي الضرر والنفع بمعبودهم هنا، وإثباتهما له، في قوله: ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾.
وحاصله: أنه لا ضرر له ولا نفع له بنفسه، وله ذلك بسبب معبوديته، كما أشار له بقوله: "بكونه معبودًا"، أما الضرر فظاهر، وأما النفع فبزعمهم اهـ. زكريا. وقال الشهاب: دفع التنافي، بأن النفي باعتبار ما في نفس الأمر، والإثبات باعتبار زعمهم الباطل اهـ. وقال أبو حيان: نفى الله سبحانه النفع والضر، في قوله: ﴿مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ وأثبتهما في قوله: ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾، لاختلاف المتعلق. وذلك أن قوله: ﴿وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ هو الأصنام والأوثان، ولذلك أتى التعبير عنها، بـ ﴿ما﴾ التي لا تكون لآحاد من يعقل، وقوله: ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ﴾ هو من عبد باقتضاء، وطلب من عابديه من المدعين الإلهية، كفرعون وغيره، من ملوك بني عبيد، الذين كانوا بالمغرب، ثم ملكوا مصر، فإنهم كانوا يدعون الإلهية، ويطاف بقصرهم في مصر، وينادون بما ينادي به رب العالمين، من التسبيح والتقديس، فهؤلاء وإن كان منهم نفع ما، لعابديهم في دار الدنيا، فضررهم أعظم وأقرب من نفعهم، إذ هم في الدنيا مملوكون للكفار، وعابدون لغير الله، وفي الآخرة معذبون العذاب الدائم، ولهذا كان التعبير هنا. بـ ﴿مَن﴾ التي هي لمن يعقل، وعلى هذا، فتكون الجملتان من إخبار الله تعالى، عمن يدعو إلهًا غير الله تعالى اهـ.
١٤ - ولمَّا فرغ من ذكر حال المشركين، ومن يعبد الله على حرف، ذكر حال