المؤمنين في الآخرة، وأنه يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿وَعَمِلُوا﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ بامتثال المأمورت، واجتناب المنهيات ﴿جَنَّاتٍ﴾ أي: بساتين ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت أشجارها وقصورها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة الجارية فيها. وهذا (١) بيانٌ لكمال حسن حال المؤمنين العابدين له تعالى، إثر بيان سوء حال الكفرة. والجنة الأرض المشتملة على الأشجار المتكاثفة، الساترة لما تحتها. والنهر مجرى الماء الفائض، فإسناد الجري إلى الأنهار من الإسناد الحكمي، كقولهم: سال الميزاب، إذ الجريان من أوصاف الماء، لا من أوصاف النهر. ووصف الجنات به، دلالة على أنها من جنس ما هو أبهى الأماكن، التي يعرفونها لتميل إليها طباعهم. واعلم أنه وإن أريد بالجنات الأشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر، وإن أريد بها الأرض، فلا بد من تقدير مضاف؛ أي: من تحت أشجارها. والمعنى أن الله سبحانه، يتفضل على المؤمنين، الذين عملوا صالح الأعمال، ويكافئهم لقاء إحسانهم بدخول الجنات، التي تجري من تحت أشجارها الأنهار، جزاءً وفاقًا على ما قاموا به من جليل الأعمال، وما زكوا به أنفسهم من جميل الخصال.
ولمَّا بين سبحانه، حال الفريقين، ذكر أنه قادر على أن يفعل بهما ما يشاء، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ من إكرام من يطيعه، وإهانة من يعصيه، لا راد لحكمه، ولا مانع لقضائه، فهو يعطي المتقين ضروبًا من الفضل والإحسان، زيادة على أجورهم، كما قال: ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ ويدخل الكافرين نارًا وقودها الناس والحجارة، لما دَسُّوا به أنفسهم من أنواع الرجس والفسوق، وهذه الجملة تعليل لما قبلها؛ أي: يفعل ما يريده من الأفعال، لا يسأل عما يفعل، فيثيب من يشاء، ويعذب من يشاء.
١٥ - ﴿مَن﴾ شرطية ﴿كَانَ يَظُنُّ﴾ ويحسب ويتوهم من أعدائه وحاسديه، - ﷺ - {أَنْ