سبحانه لما ذكر من دلائل قدرته خلق الطرائق السبع.. قفى على ذلك ببيان ما فيها من منافع للإنسان، فمنها ينزل الماء الذي به تنشأ الجنات من النخيل والأعناب، وكثير من أشجار الفاكهة التي تؤكل، وينبت به شجر الزيتون، الذي يؤخد من ثمره الزيت، الذي يتخذ دهنًا للأجسام، وإدامًا في الطعام.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: لما ذكر سبحانه بنعمة إنزاله الماء من السماء، الذي به جنات النخيل، والأعناب، والفواكه المختلفة، والزيتون.. أردفها بذكر النعم المختلفة، التي سخرها لنا من خلق الحيوان.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ...﴾. الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أنه سبحانه لما ذكر أولًا بدء الإنسان، وتطوره في تلك الأطوار، وما امتن به عليه، مما جعله تعالى سببًا لحياتهم، وإدراك مقاصدهم، ذكر أمثالًا لكفار قريش من الأمم السابقة، المنكرة لإرسال الله رسلًا، المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن الله تعالى، فابتدأ بقصة نوح؛ لأنه أبو البشر الثاني، كما ذكر أولًا آدم في قوله تعالى: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾، ولقصته أيضًا مناسبة لما قبلها إذ قبلها: ﴿وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ فذكر قصة من صنع الفلك أولًا، وأنه كان سبب نجاة من آمن، وإهلاك من لم يكن معه في الفلك، فالفلك من نعمة الله تعالى، وكل هذه القصص يحذر بها قريشًا نقم الله، ويذكرهم بنعمه.
وعبارة المراغي هنا (٢): مناسبة هذه الآيات لما قبلها أن الله سبحانه لما عدد ما أنعم به على عباده، في نشأتهم الأولى، وفي خلق الماء لهم؛ لينتفعوا به، وفي خلق الحيوان كذلك.. ذكر هنا أن كثيرًا من الأمم قد أهملوا التدبر والاعتبار في هذا، فكفروا بهذه النعم، وجهلوا قدر المنعم بها، وعبدوا غيره، وكذبوا رسله الذين أرسلوا إليهم، فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، وأهلكهم

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon