بعذاب من عنده، فأصبحوا كأمس الدابر، والمثل السائر، وفي هذا تخويفٌ لقريش، وإنذار لهم على ما يفعلون، وأنه سيحل بهم ما داموا على تكذيب رسولهم والكفر به مثل ما حل بمن قبلهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه الحاكم عن أبي هريرة، أن رسول الله - ﷺ - كان إذا صلى، رفع بصره إلى السماء، فنزلت: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)﴾ فطاطأ رأسه، وأخرجه ابن مردويه، بلفظ: كان يلتفت في الصلاة، وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن سيرين مرسلًا، بلفظ: كان يقلب بصره، فنزلت وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن سيرين مرسلًا: كان الصحابة يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فنزلت.
قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ روي فيه عن أنس، قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله صلينا خلف المقام، فأنزل الله: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾، وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت على نسائك حجابًا، فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، وقلت لأزواج النبي - ﷺ -: لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجًا خيرًا منكم، فنزلت: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾ الآية ونزلت: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ﴾ إلى قوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، فقلت: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، فقال رسول الله - ﷺ -: "هكذا أنزلت يا عمر! " أخرجه الطيالسي.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ وفاز وسعد حقًا ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: المصدقون بما جاء به الرسول - ﷺ -، ونالوا البقاء والدوام في الجنة، ويدل عليه، ما روي "أن الله تعالى لما خلق جنة عدن بيده، قال: تكلّمي، فقالت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ فقال: طوبى لك منزل الملوك" أي: ملوك الجنة، وهم الفقراء الصابرون، وقد هنا: للتحقيق؛ أي: التحقيق ما يحصل في المستقبل، وتنزيله منزلة الواقع، ومعنى فاز