المؤمنة العفيفة، والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف.
قال ابن جرير الطبري: (١٨/ ٧٥) وأولى الأقوال (١) في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عني بالنكاح في هذا الموضع الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات، وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان. فمعلوم إذ كان ذلك كذلك أنه لم يعن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، لا ينكح إلا بزانية أو مشركة، وإذا كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية، لا تستحل الزنا، أو بمشركة تستحله.
قال ابن كثير: ومن (٢) هاهنا ذهب الإِمام أحمد ابن حنبل - رحمه الله - إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح، حتى يتوب توبة صحيحة، لقوله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقد اختلف (٣) في جواز تزوج الرجل بامرأة قد زنى هو بها، فقال الشافعي وأبو حنيفة: بجواز ذلك، وروي عن ابن عباس وروي عن عمر وابن مسعود وجابر أنه لا يجوز. قال ابن مسعود: إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك، فهما زانيان أبدًا وبه قال مالك.
وقال الزمخشري: فإن قلت (٤): أي فرق بين معنى الجملة الأولى، أعنى قوله: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾، ومعنى الجملة الثانية، أعني قوله: ﴿وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ﴾؟
قلت: معنى الأولى وصف الزاني بكونه غير راغب في العفائف، ولكن في
(٢) ابن كثير.
(٣) الشوكاني.
(٤) الكشاف.