المعاصي بالرحمة. ﴿حَكِيمٌ﴾؛ أي: فيما فرضه من الحدود. معطوفة على مدخول ﴿لولا﴾. وحذف (١) جواب ﴿لولا﴾ للتهويل والإشعار بضيق العبارة عن حصره، كأنه قيل: لولا تفضله عليكم ورحمته، أيها الرامون والمرميات. وأنه تعالى مبالغ في قبول التوبة. حكيم في جميع أفعاله وأحكامه، التي من جملتها ما شرع لكم من حكم اللعان، لكان ما كان مما لا يحيط به نطاق البيان. ومن جملته أنه تعالى لو لم يشرع لهم ذلك.. لوجب على الزوج حدّ القذف، مع أن الظاهر صدقه؛ لأنه أعرف بحال زوجته، وأنه لا يفتري عليها؛ لاشتراكهما في الفضاحة.
وبعدما شرع لهم ذلك، لو جعل شهاداته موجبة لحدّ القذف عليه.. لفات النظر له، ولا ريب في خروج الكل عن سنن الحكمة والفضل والرحمة، فجعل شهادات كل منهما، مع الجزم بكذب أحدهما حتمًا، دارئة لما توجه إليه من الغائلة الدنيوية. وقد ابتلي الكاذب منهما في تضاعيف شهاداته من العذاب بما هو أتم مما درأه عنه وأطم. وفي ذلك من أحكام الحكم البالغة وآثار التفضل والرحمة ما لا يخفى. أما على الصادق فظاهر، وأما على الكاذب فهو إمهال له، والستر عليه في الدنيا، ودرأ الحد عنه، وتعريضه للتوبة، حسبما ينبىء عنه التعرض لعنوان توابيته، سبحانه ما أعظم شأنه، وأوسع رحمته وأدق حكمته.
والخلاصة (٢): أي ولولا تفضله سبحانه ورحمته بكم، وأنه قابل لتوبتكم في كل آن، وأنه حكيم في جميع أفعاله وأحكامه التي منها ما شرعه لكم من اللعان.. لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة، ولكنه ستر عليكم، ودفع عنكم الحد باللعان، إذ لو لم يشرع لكم ذلك.. لوجب على الزوج حدّ القذف، مع أن قرائن الأحوال تدل على صدقه؛ لأنه أعرف بحال زوجه، وأنه لا يفتري عليها لاشتراكهما في الفضيحة. ولو جعل شهادته موجبة لحد الزنا عليها.. لأهمل أمرها، وكثر افتراء الزوج عليها، لضغينة قد تكون في نفسه من أهلها. وفي كل

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon