كونهم موصوفين بالإيمان وعبد الله بن أبي أيضًا كان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهرًا، وإن كان رئيس المنافقين خفية.
والمعنى: أي (١) إن الذين جاؤوا بالكذب والبهتان في حق عائشة جماعة منكم أيها المؤمنون، تعاونوا وأجمعوا أمرهم على إعلانه وإذاعته بين الناس، لمقاصد لهم أخفوها. والله عليم بما يفعلون. والعصبة والعصابة: جماعة من العشرة إلى الأربعين، وفي التعبير بعصبة: بيان أن هؤلاء شرذمة قليلون، وأنهم هم الذين ينشرونه، لا أنهم عدد كثير من الناس.
وقوله: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ﴾ كلام مستأنف؛ أي: لا تظنوا أيها المؤمنون ذلك الإفك والكذب ﴿شَرًّا لَكُمْ﴾؛ أي: ضررًا لكم، والخطاب فيه للنبي - ﷺ -، وأبي بكر وعائشة وصفوان، وكل من ساءه ذلك الإفك، تسلية لهم أول الأمر، ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾؛ أي: لا تظنوا أن فيه فتنة وشرًّا، بل هو خير لكم لاكتسابكم به الثواب العظيم؛ لأنه كان بلاءً مبينًا ومحنة ظاهرة، وإظهار كرامتكم على الله تعالى بإنزال قرآن يتلى مدى الدهر في براءتكم وتعظيم شأنكم، وتهويل الوعيد لمن يتكلم فيكم، والثناء على من ظن بكم خيرًا، إلى نحو ذلك من الفوائد الدينية، والآداب التي لا تخفى على من تأملها.
فإن (٢) قصة الإفك كانت في حق النبي - ﷺ - وفي حق عائشة وأبويها، وفي حق جميع الصحابة امتحانًا لهم وتهذيبًا، فإن البلاء للأولياء كاللهب للذهب، كما قال - ﷺ -: "إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل" وقال - ﷺ -: "يبتلى الرجل على قدر دينه"؛ أي: وذلك لأن الله سبحانه غيور على قلوب خواص عباده المحبوبين، فإذا حصلت مساكنة بعضهم إلى بعض.. أجرى الله تعالى ما يرد كل واحد منهم عن صاحبه، ويرده إلى حضرته. وأن النبي - ﷺ - لما قيل له: أيُّ الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، فساكنها وقال: "يا عائشة حبك في قلبي كالعقدة".
(٢) المراح.