وفي بعض الأخبار أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله، إني أحبك وأحب قربك. اهـ. فأجرى الله تعالى حديث أهل الإفك، حتى رد الله سبحانه رسوله عن عائشة إلى الله بانحلال عقدة حبها عن قلبه، ورد عائشة عنه - ﷺ - إلى الله تعالى، حتى قالت لما ظهرت براءة ساحتها: بحمد الله لا بحمدك.
والشر (١) ما زاد ضره على نفعه، والخير ما زاد نفعه على ضره. وأما الخير الذي لا شر فيه فهو الجنة، والشر الذي لا خير فيه فهو النار. ووجه كونه خيرًا لهم أنه يحصل لهم به الثواب العظيم مع بيان براءة أم المؤمنين، وصيرورة قصتها هذه شرعًا عامًا.
﴿لِكُلِّ امْرِئٍ﴾؛ أي: على كل إنسان ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من تلك العصبة. فاللام بمعنى على، والمرء: الإنسان، والرجل كالمرء، والألف فيه للوصل. ﴿مَا اكْتَسَبَ﴾؛ أي: جزاء ما اجترح ﴿مِنَ الْإِثْمِ﴾ والذنب بقدر ما خاض فيه، فإن بعضهم تكلم، وبعضهم كالمسرور الراضي بما سمع، وبعضهم أقل وبعضهم أكثر، فقدر العقاب يكون بقدر الخوض في الإثم، وفي "التأويلات النجمية" على حسب سعايتهم وفساد ظنهم، وهتك حرمة حرم نبيهم يكون عقابهم. انتهى.
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾؛ أي: تحمل معظم ذلك الإثم وأكثره ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من أولئك العصبة؛ أي: والذي ابتدأ به، ورغب في إشاعته، وهو عبد الله بن أبي ﴿له﴾؛ أي: لذلك المتولي ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾؛ أي: شديد في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فبإظهار نفاقه على رؤوس الأشهاد، وأما في الآخرة فبعذاب لا يقدر قدره إلا العلم الحكيم، وقد كان وأول من اختلقه لإمعانه في عداوة رسول الله - ﷺ -.
واختلف (٢) في هذا الذي تولى كبره من عصبة الإفك من هو منهم. فقيل: هو عبد الله بن أبي، وقيل: هو حسان، والأول هو الصحيح. وقد روى محمد بن إسحاق وغيره أن النبي - ﷺ - جلد في الإفك رجلين وامرأة، وهو مسطح بن أثاثة

(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon