حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، وقيل: جلد عبد الله بن أبي وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ولم يجلد مسطحًا؛ لأنه لم يصرح بالقذف، ولكن كان يسمع ويشيع من غير تصريح، وقيل: لم يجلد أحدًا منهم.
قال القرطبي: المشهور من الأخبار، والمعروف عند العلماء، أن الذين حدُّوا: حسان ومسطح وحمنة ولم يسمع بحدٍّ لعبد الله بن أبيّ، ويؤيد هذا ما في سنن أبي داود عن عائشة قالت: لما نزل عذري قام النبي - ﷺ - فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم، وسماهم حسان ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وكان مسطح في آخر عمره مكفوف البصر، وهو ابن خالة أبي بكر الصديق، وصار حسان في آخر عمره أعمى أشل اليدين.
واختلفوا في وجه تركه - ﷺ - لجلد عبد الله بن أبيّ. فقيل: لتوفير العذاب العظيم له في الآخرة، وحَدَّ من عداه؛ ليكون ذلك تكفيرًا لذنبهم. كما ثبت عنه - ﷺ - في الحدود أنه قال: "إنها كفارة لمن أقيمت عليه"، وقيل: ترك حده تألُّفًا لقومه واحترامًا لابنه، فإنه كان من صالحي المؤمنين، وأطفاءً لنائرة الفتنة، فقد كانت ظهرت مباديها من سعد بن عبادة ومن معه، كما في "صحيح" مسلم.
وقيل (١): الذي تولى كبره حسان كما تقدم، والعذاب العظيم عناه وحده، وضرب صفوان له بالسيف على رأسه. وقال له:

تَوَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّيْ فَإِنَّنِيْ غُلاَمٌ إِذَا هُوْجِيْتُ لَسْتُ بِشَاعِرِ
وَلَكِنَّنِيْ أَحْمِيْ حِمَايَ وَأَتقِيْ مِنَ الْبَاهِتِ الرَّامِيْ الْبَرِيْءِ الظَّوَاهِرِ
وأنشد حسان أبياتًا يثني فيها على أم المؤمنين ويظهر براءته مما نسب إليه وهي:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تَزِنُ بِرِيْبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الْغَوَافِلِ
حَلِيْلَةُ خَيْرِ النَّاسِ دِيْنًا وَمَنْصِبًا نَبِيُّ الْهُدَى وَالْمَكْرُمَاتِ الْفَوَاضِلِ
(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon