أي: لمسكم ذلك العذاب العظيم، وقت تلقيكم واستقبالكم ومواجهتكم ذلك الإفك، وأخذكم إياه من المخترعين ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ يأخذه ويرويه بعضكم من بعض. وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل، فيقول له: ما وراءك، فيحدثه بحديث الإفك، حتى شاع وانتشر، فلم يبق بيت ولا دار إلا طارَ فيه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ بفتح الثلاث وشد القاف، وشد التاء البزي وأدغم ذال إذ في التاء، وكذلك النحويان أبو عمر والكسائي وحمزة؛ أي: يأخذه بعضكم من بعض وقرأ عمر بن الخطاب ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ بتاء واحدة خفيفة مضمومة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مضمومة خلفيفة، من ألقى يلقي. وقرأ معاوية وابن السميقع مثله إلا أنهما فتحا التاء والقاف من لقي الثلاثي، وقرأ ابن مسعود ﴿إذ تتلقونه﴾ بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف. وقرأ ابن بن كعب وعائشة ومجاهد وأبو حيوة وابن عباس وعيسى وابن يعمر وزيد بن علي ﴿تلقونه﴾ بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف. ومعناه: إذ تسرعون بالكذب. يقال: ولق يلق إذا أسرع في الكذب. وقرأ ابن أسلم وأبو جعفر ﴿تألقونه﴾ بفتح التاء وهمزة ساكنة بعدها لام مكسورة من الألق. وهو الكذب. وقرأ يعقوب في رواية المازني ﴿تيلقونه﴾ بتاء مكسورة بعدها ياء ولام مفتوحة، كأنه مضارع ولق بكسر اللام كما قالوا تيجل مضارع وجلت. وقال سفيان: سمعت أمي تقرأ ﴿إذ تثقفونه﴾ يعني مضارع ثقف. قال: وكان أبوها يقرأ بحرف ابن مسعود.
﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: تقولون بأفواهكم كلامًا مختصًا بالأفواه لا مساعد له من القلوب؛ لأنه ليس تعبيرًا عما تعلمه وتعتقده قلوبكم، وإنما (٢) قيد بالأفواه، مع أن القول لا يكون إلا بالفم؛ لأن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب أولًا، ثم يترجم عنه اللسان. وهذا الإفك ليس إلا قولًا يجري على الألسنة من غير علم به في القلب. نظير قوله تعالى: {يَقُولُونَ
(٢) النسفي.