أي: ولهم (١) ذلك العذاب الذي لا يقدر قدره، يوم يجحدون ما اكتسبوا في الدنيا من الذنوب حين سؤالهم عنها، فتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، من قول أو فعل. إذ ينطقها الله سبحانه بقدرته، فتخبر كل جارحة بما صدر منها من أفاعيل صاحبها. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ﴾.
وعن أبي سعيد الخدري، أن النبي - ﷺ - قال: "إذا كان يوم القيامة، عرف الكافر بعمله، فيجحد ويخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك. فيقول: كذبوا. فيقال: أهلك وعشيرتك. فيقول: كذبوا. فيقال: احلفوا فيحلفون. ثم يصمهم الله، فتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، ثم يدخلهم النار". ويرى فريق من المفسرين أن الشهادة هنا ليست الشهادة باللسان، لئلا يعارض قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ بل شهادة الإثبات والبيان. إذ كل ما يعمله الإنسان في الدنيا من قول أو فعل تنطبع له صورة على العضو الذي فعله، فالكلمة يقولها تنطبع لها صورة على اللسان، واليد التي تمتد لفعل شيء والرجل التي تخطو إلى عمل، كل ذلك يحفظ على نفس الجارحة التي فعلته، فما أشبه ذلك بالصور التي تؤخذ اليوم لأصابع المجرمين وبصمات أيديهم وأرجلهم في فلم تحقيق الشخصية للرجوع إليها إذا دعت الحاجة إلى ضبط أولئك المجرمين. فما ينطبع إذ ذاك على اللسان واليد والرجل يكون كافيًا جد الكفاية في إثبات الجرم على أولئك المجرمين والطغاة الظالمين.
٢٥ - ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة. ﴿يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾؛ أي: يعطيهم الله سبحانه جزاءهم الحق الثابت، الذي لا شك في ثبوته على أعمالهم موفرًا كاملًا. والتوفية (٢) بذل الشيء وافيًا. والواقي الذي بلغ التمام والدين الجزاء والحق منصوب على أنه صفة للدين.
والمعنى: أي يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم
(٢) روح البيان.