قال: بل اجمعهما لي في الآخرة فنزلت: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه الواحدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما عير المشركون رسول الله - ﷺ - بالفاقة، وقالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، حزن رسول الله - ﷺ -، فنزل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ...﴾ الآية. وأخرج ابن جرير نحوه من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿تَبَارَكَ﴾؛ أي: تزايد وتكاثر خير الإله وإحسانه، الذي من أجله وأعظمه إرسال الرسول، وإنزال القرآن. ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: أنزل القرآن إنزالًا متكررًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة. ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ محمد - ﷺ -. ﴿لِيَكُونَ﴾ ذلك العبد أو إنزال القرآن. ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾؛ أي: للمكلفين من الثقلين. ﴿نَذِيرًا﴾؛ أي: مخوفًا من عذاب الله تعالى. أو المعنى (١): تعالى الله الذي نزل القرآن على عبده الأخلص، ونبيه الأخص، وحبيبه الأعلى، وصفيه الأولى محمد المصطفى - ﷺ - في ذاته وصفاته وأفعاله. فتعالت ذاته من جواز التغير والفناء، وعن مشابهة شيء من الممكنات. وتعالت صفاته عن الحدوث، وأفعاله عن العبث. ومن جملة أفعاله تنزيل القرآن، المنطوي علي جميع الخيرات الدينية والدنيوية. وفي الإتيان بعنوان العبد إعلام بكون سيدنا محمد - ﷺ -، في أقصى مراتب العبودية، وتشريف له بالعبدية المطلقة، وتفضيل له بها على جميع الأنبياء، فإنه تعالى لم يسم أحدًا منهم بالعبد مطلقًا، كقوله تعالى: ﴿عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ وتنبيه على أن الرسول لا يكون إلا عبدًا للمرسل، ردًا على النصارى. ولذا قدم في التشهد عبده على رسوله.