وقال الشوكاني: تكلم (١) سبحانه في هذه السورة على التوحيد؛ لأنه أقدم وأهم. ثم في النبوة؛ لأنها الواسطة، ثم في المعاد؛ لأنه الخاتمة. وأصل تبارك: مأخوذ من البركة، وهي النماء، حسيةً كانت أو معنوية.
قال الزجاج: تبارك تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة: الكثرة من كل ذي خير. وقال الفراء: إنَّ تبارك وتقدس في العربية واحد. ومعناهما العظمة. وقيل: المعنى: تبارك عطاؤه؛ أي: زاد وكثر. وقيل: المعنى؛ أي: دام وثبت. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة.
قال العلماء: هذه اللفظة لا تستعمل إلا لله سبحانه، ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي، وخص في هذا الموضع بالذكر، لأن ما بعده أمر عظيم، وهو القرآن المشتمل على معاني جميع كتب الله تعالى.
والفرقان القرآن، سمي فرقانًا، لأنه يفرق بين الحق والباطل بأحكامه، أو بين المحق والمبطل؛ أي: بين المؤمن والكافر، أو لأنه نزل مفرقًا في أوقات كثيرة. ولهذا قال نزل بالتشديد لتكثير التفريق. ثم علل التنزيل بقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾؛ أي: ليكون (٢) العبد منذرًا بالقرآن للإنس والجن ممن عاصره، أو جاء بعده مخوفًا لهم من عذاب الله، وموجبات سخطه. والمراد بعبده محمد - ﷺ - كما مر. وبالعالمين هنا الإنس والجن. لأن النبي - ﷺ - مرسل إليهما فقط. فإن الملائكة، وإن كانوا من جملة أجناس العالم، إلا أن النبي - ﷺ - لم يكن رسولًا إليهم، فلم يبق من العالمين المكلفين إلا الجن والإنس، فهو رسول إليهما جميعًا، فتكون الآية وقوله عليه السلام: "أرسلت للخلق كافة" من العام المخصوص. ولم يبعث نبي غيره - ﷺ - إلا إلى قوم معينين. وأما نوح عليه السلام، فإنه وإن كان له عموم بعثة، لكن رسالته ليست بعامة لمن بعده. وأما سليمان عليه السلام، فإن كونه مبعوثًا إلى الجن وما كان له من التسخير العام.. لا يستلزم عموم الدعوة.
(٢) روح البيان.