والآية حجة لأبي حنيفة - رحمه الله - في قوله: ليس للجن ثواب إذا أطاعوه سوى النجاة من العذاب، ولهم عقاب إذا عصوا حيث اكتفى بقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ ولم يذكر البشارة. قال في "الإرشاد" عدم التعرض للتبشير لانسياق الكلام على أحوال الكفرة.
وفي "المراغي": وإنما ذكر الإنذار ولم يذكر التبشير، مع أن الرسول مرسل بهما، من قبل أن السورة بصدد بيان حال المعاندين، المتخذين لله ولدًا، والطاعنين في كتبه ورسله واليوم الآخر. والنذير المنذر؛ أي: ليكون محمدًا منذرًا، أو ليكون إنزال القرآن منذرًا. ويجوز أن يكون النذير هنا بمعنى المصدر للمبالغة؛ أي: ليكون إنزاله إنذارًا، أو ليكون محمد إنذارًا. وجعل الضمير للنبي - ﷺ - أولى؛ لأن صدور الإنذار منه حقيقة ومن القرآن مجاز. والحمل على الحقيقة أولى. ولكونه أقرب مذكور. وقيل: إن رجوع الضمير إلى الفرقان أولى، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.
وقرأ الجمهور (١): ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ بالإفراد، وهو محمد - ﷺ -. وقرأ ابن الزبير ﴿عَلَى عِبَادِهِ﴾؛ أي: الرسول وأمته، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ وقال: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ وقرأ ابن الزبير: ﴿للعالمين الجن والإنس﴾ وهو تفسير للعالمين.
وخلاصة ذلك (٢): تعالى الله عما سواه، في ذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها تنزيل القرآن المعجز الناطق بعلو شأنه، وسمو صفاته وابتناء أفعاله على أساس الحكم، والمصالح على عبده محمد - ﷺ - لينذر به الناس، ويخوفهم بأسه ووقائعه بمن خلا قبلهم من الأمم. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾.
فائدة: لفظة تبارك (٣) كلمة لا تستعمل إلا لله تعالى بلفظ الماضي، وذكرت

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) فتح الرحمن.


الصفحة التالية
Icon