قالوا: ذلك للمسيح وعزير، والملائكة. كما حكى الله سبحانه عنهم، في قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ وقوله: ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣)﴾.
والصفة الثالثة: ذكرها بقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ﴾ سبحانه ﴿شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾؛ أي: في ملك السماوات والأرض، لينازعه أو ليعاونه في الإيجاد. فهو تأكيد لقوله: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وفيه رد على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية، وأهل الشرك الخفي؛ أي: وما كان لله سبحانه شريك في ملكه وسلطانه، يصلح أن يعبد من دونه، فأفردوا له العبادة، وأخلصوها له دون كل ما تعبدون من دونه من الآلهة والملائكة والجن والإنس. وفيه أيضًا رد على المشركين العرب، القائلين في تلبيتهم للحج: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو ملك.
والصفة الرابعة: ذكرها بقوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ من الموجودات؛ أي: أحدث (١) وأوجد كل موجودات، من مواد مخصوصة على صور معينة، ورتب فيه قوى وخواص مختلفة الأحكام والآثار ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾؛ أي: فهيأه لما أراده منه، من الخصائص والأفعال اللائقة به، كتهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبر في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصنائع المتنوعة، ومزاولة الأعمال المختلفة. وهكذا أحوال سائر الأنواع.
والمعنى: أي (٢) وأوجد كل شيء بحسب ما اقتضته إرادته المبنية على الحكم البالغة، وهيأه لما أراد به من الخصائص، والأفعال التي تليق به، فأعد الإنسان للإدراك والفهم والتدبر، في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصناعات المختلفة، والانتفاع بما في ظاهر الأرض وباطنها. وأعد صنوف الحيوان للقيام بأعمال مختلفة تليق بها ولإدراكها.

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon