عن وجهه؛ لأن الإفك كل مصروف عن وجهه، الذي يحق أن يكون عليه. ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب: المؤتفكات. ورجل مأفوك؛ أي: مصروف عن الحق إلى الباطل. ﴿افْتَرَاهُ﴾؛ أي: اختلقه محمد من عند نفسه. والفرق بين الافتراء والكذب أنَّ الافتراء هو افتعال الكذاب. من قبل نفسه. والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه، كما في الأسئلة المقحمة.
﴿وَأَعَانَهُ﴾؛ أي: وأعان محمدًا ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على اختلاقه ﴿قَوْمٌ آخَرُونَ﴾؛ أي: قوم غير قومه؛ أي: اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم الماضية، وهو يعبر عنها بعبارته. قال الكلبي (١) ومقاتل: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، فهو الذي قال هذا القول. وقال: أعانه عليه عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء عامر بن الحضري، وجبر مولى عامر، وهؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرأون التوراة، ويحدثون أحاديث منها في مكة، فلما أسلموا، كان النبي - ﷺ - يتعهدهم، ويختلف إليهم، فزعم النضر وأصحابه، أنهم يلقون إليه - ﷺ - أخبار الأمم الماضية، وهو - ﷺ - يعبر عنها بعبارات من عنده، فهذا معنى إعانتهم له، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال. فرد الله تعالى ذلك بقوله: ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: قائلوا هذه المقالة؛ أي: فعلوا بما قالوا ظلمًا وزورًا.
والمعنى: أي وقال الكافرون: إن هذا القرآن ليس من عند الله تعالى، بل اختلقه محمد - ﷺ -، وأعانه على ذلك جماعة من أهل الكتاب، ممن أسلموا وكان يتعهدهم، ويختلف إليهم (تقدم ذكر أسمائهم) فيلقون إليه أخبار الأمم الغابرة، وهو يصوغها بلغته، وأسلوبه الخاص، فرد الله عليهم مقالهم فقال: ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: فعلوا بما قالوا، فإن جاؤوا أتى يستعملان بمعنى فعل فيتعديان تعديته ﴿ظُلْمًا﴾ عظيمًا بجعل الكلام المعجز إفكًا مختلفًا مفتعلًا من اليهود، يعني: وضعوا الإفك في غيره. ﴿وَزُورًا﴾؛ أي: كذبًا كبيرًا، حيث نسبوا إليه - ﷺ - ما هو

(١) المراح.


الصفحة التالية
Icon