الأصنام وغيرها؛ لأن ما عام يعم العقلاء وغيرهم، لكن المراد هنا، بقرينة الجواب الآتي: العقلاء من الملائكة وعيسى وعزير. قلت: ولا مانع من العموم، كأن يخلق في الأصنام الحياة فينطقها، أو كأن جوابها بلسان الحال، كما ذكره بعضهم في تسبيح الموات، وفي شهادة الأيدي والأرجل. وغلب غير العقلاء من الأصنام، ونحوها، على العقلاء من الملائكة، والجن والمسيح تنبيهًا على أنها جميعًا مشتركةً في كونها غير صالحة لكونها آلهة، أو لأن من يعبد من لا يعقل أكثر، ممن يعبد من يعقل منها، فغلبت اعتبارًا بكثرة من يعبدها.
أي: واذكر يوم يحشر الله العابدين لغير الله، ومعبوديهم، ويجمعهم في صعيد واحد، وهو يوم القيامة ﴿فَيَقُولُ﴾ الله سبحانه وتعالى للمعبودين ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ﴾ العابدين لكم عن عبادتي، بأن دعوتموهم إلى عبادتكم وأمرتموهم بها ﴿أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ﴾ الحق؛ أي: تركوها وعبدوكم بهوى أنفسهم؛ أي: أخطؤوا عن الطريق المستقيم بأنفسهم، لإخلالهم بالنظر الصحيح، وإعراضهم عن المرشد النصيح، فحذف الجار، وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ والأصل إلى السبيل، أو للسبيل، والاستفهام (١) في قوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ﴾ للتوبيخ والتقريع.
والمعنى: أكان ضلالهم بسببكم، وبدعوتكم لهم إلى عبادتكم، أم هم ضلوا عن سبيل الحق بأنفسهم، لعدم التفكر فيما يستدل به على الحق، والتدبر فيما يتوصل به إلى الصواب.
وقرأ أبو جعفر والأعرج وابن كثير وحفص عن عاصم (٢) ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ و ﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء فيهما. واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله في أول الكلام على ربك. وقرأ الحسن وطلحة وابن عامر؛ بالنون فيهما على التعظيم. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ﴿نحشرهم﴾ بالنون ﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء. وقرأ الأعرج (٣) ﴿نحشرهم﴾ بكسر الشين في جميع القرآن. قال ابن عطية: هي

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon