كأنه قيل: إنا لم نضلهم ولم نحملهم على الضلال، ولكن أضللت أنت، بأن فعلت لهم ما يؤثرون به الضلال، فخلقت فيهم ذلك.
والمعنى (١): ما أضللناهم، ولكنك يا رب متعتهم، ومتعت آبائهم بالنعم، ووسعت لهم العمر، حتى غفلوا عن ذكرك، ونسوا موعظتك، والتدبر لكتابك، والنظر في عجائب صنعك، وغرائب مخلوقاتك. ﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: وكان هؤلاء الذين أشركوا بك، وعبدوا غيرك في قضائك الأزلي ﴿قَوْمًا بُورًا﴾؛ أي: هالكين، فاسدي القلوب، خاسرين في الدنيا والآخرة. جمع بائر. مأخوذ من البوار، وهو الهلاك.
١٩ - فيقول الله سبحانه وتعالى للعابدين: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾؛ أي: فقد كذبكم المعبودون، أيها العابدون ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾؛ أي: في قولكم إنهم آلهة، والباء بمعنى في ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾؛ أي: فما تملكون أيها العابدون ﴿صَرْفًا﴾؛ أي: دفعًا للعذاب عنكم، بوجه من الوجوه، لا بالذات ولا بالواسطة. ﴿وَلَا نَصْرًا﴾؛ أي: ولا فردًا من أفراد النصر، لا من جهة أنفسكم، ولا من جهة غيركم مما عبدتم، وقد كنتم زعمتم أنهم يدفعون عنكم العذاب وينصرونكم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالتاء من فوق. وقرأ أبو حيوة وابن الصلت عن قنبل وسعيد بن جبير ومجاهد ومعاذ القارىء ﴿بما يقولون﴾ والمعنى: فقد كذبكم أيها العابدون المعبودون بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا﴾ إلخ.. وهذا (٣) قول الأكثرين. وقال ابن زيد الخطاب للمؤمنين. فالمعنى: فقد كذبكم المشركون أيها المؤمنون بما تقولون؛ أي: في قولكم: إن محمدًا رسول الله - ﷺ -.
وقرأ حفص وأبو حيوة والأعمش وطلحة: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ بتاء الخطاب للعابدين، ويؤيد هذه القراءة، أن الخطاب في كذبوكم للعابدين. وقرأ الجمهور: ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء من تحت. وفيه وجهان:

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) زاد المسير.


الصفحة التالية
Icon