أي: أقاتل أنت نفسك يا محمد أسفًا وحزنًا على ﴿أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ بهذا الكتاب المبين. وقال العسكري: إنها للنهي، والمعنى على هذا: لا تبخع نفسك يا محمد ولا تهلكها أسى وحسرة على عدم إيمانهم.
وقيل: إنها على معناها الأصلي؛ أي: للإشفاق؛ أي: الخوف، والله تعالى منزه عنه، فهو بالنسبة إلى النبي - ﷺ -، ولكن الإشفاق هنا بمعنى الأمر. والبخع في الأصل أن يبلغ بالذبح النخاع - بالنون كما في "القاموس" - وهو عرق مستبطن في فقار القفا، والمعنى عليه: أشفق يا محمد على نفسك، وخف أن تقتلها بالحزن بلا فائدة، وهو حث على ترك التأسف، وتصبير وتسلية له - ﷺ -.
وقوله: ﴿أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ مفعول له بحذف المضاف؛ أي: خيفة أن لا يؤمن قريش بذلك الكتاب المبين، فإن الخوف والحزن لا ينفع في إيمان من سبق حكم الله بعدم إيمانه، كما أن الكتاب المبين لم ينفع في إيمانه، فلا تهتمّ فقد بلّغت. والمعنى: لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان؛ لأنه كان حريصًا على إيمان قومه، شديد الأسف لما يراه من إعراضهم.
وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى تأديب النبي - ﷺ -؛ لئلا يكون مفرطًا في الرحمة والشفقة على الأمة، فإنه يؤدي إلى الركون إليهم، وأن التفريط في ذلك يؤدي إلى الفظاظة وغلظ القلب، بل يكون مع الله مع المقبل والمدبر.
وقرأ قتادة وزيد بن علي (١): ﴿باخع نفسك﴾ على الإضافة، وقرأ الباقون بالقطع. ونحو الآية قوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، وقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)﴾.
٤ - ثم بيّن (٢): أن إيمانهم ليس مما تعلقت به مشيئة الله تعالى، فقال: ﴿إِنْ نَشَأْ﴾ إيمانهم، أي: لو شئنا إيمانهم، وتعلقت به إرادتنا أزلًا ﴿نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على مشركي قومك ﴿مِنَ السَّمَاءِ آيَةً﴾ دالة على كمال قدرتنا، ملجئة لهم إلى الإيمان كإنزال الملائكة، أو بليّة قاسرة عليه كآية من آيات القيامة، ولكن سبق

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon