القضاء بأنّا لا ننزل ذلك ﴿فَظَلَّتْ﴾؛ أي: فصارت؛ أي: فتظل ﴿أَعْنَاقُهُمْ﴾؛ أي: رقابهم ﴿لَهَا﴾؛ أي: لتلك الآية ﴿خَاضِعِينَ﴾؛ أي: منقادين، فلا يكون أحد منهم يميل عنقه إلى معصية الله تعالى، ولكن لم نفعل؛ لأنه لا عبرة بالإيمان المبني على القسر والإلجاء كالإيمان يوم القيامة. وأصله: فظلوا لها خاضعين، فإن الخضوع صفة أصحاب الأعناق حقيقة، فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير ببيان موضع الخضوع، وترك الخبر على حاله. وفيه بيان أن الإيمان والمعرفة موهبة خاصة خارجة عن اكتساب الخلق في الحقيقة، فإذا حصلت الموهبة نفع الإنذار والتبشير، وإلّا فلا، فليبك على نفسه من جبل على الشقاوة.
وقرأ أبو رزين وأبو المتوكل وأبو عمرو في رواية هارون عنه (١): ﴿إن يشأ ينزل﴾ على الغيبة؛ أي: إن يشأ الله ينزل، وفي بعض المصاحف: ﴿لو شئنا لأنزلنا﴾ وقرأ الجمهور: ﴿فَظَلَّتْ﴾ ماضيًا بمعنى المستقبل؛ لأنه معطوف على ﴿نُنَزِّلْ﴾ وقرأ طلحة ﴿فتظلل﴾.
وقال مجاهد وابن زيد والأخفش: معنى ﴿أَعْنَاقُهُمْ﴾: جماعاتهم، يقال: جاءني عنق من الناس؛ أي: جماعة، وقيل: أعناق الناس رؤساؤهم ومقدّموهم شبّهوا بالأعناق، وقيل: أريد به الجارحة، فقال ابن عيسى: هو حينئذ على حذف مضاف؛ أي: أصحاب الأعناق حيث قال: ﴿خَاضِعِينَ﴾، ولم يقل: خاضعة، وقرأ عيسى وابن أبي عبلة: ﴿خاضعة﴾.
ومعنى الآية: أي لو شئنا أن ننزل عليهم من السماء آية تلجئهم إلى الإيمان وتقسرهم عليه، كما نتقنا الجبل فوق قوم موسى حتى صار كالظلة فصار جماعاتهم خاضعين منقادين لها كرها.. لفعلنا، ولكن جرت سنتنا أن يكون الإيمان اختياريًا لا قسريًا، كما قال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)﴾.
ومن ثم نفذ قدرنا، ومضت حكمتنا، وقامت حجتنا على الخلق بإرسال