١٢ - ﴿قَالَ﴾؛ أي: موسى إظهارًا لعجزه، وطلبًا للمعونة، وهذا (١) استئناف بياني، أنه قيل: فماذا قال موسى؟ فقيل: قال موسى تضرعًا إلى الله تعالى يا ﴿رَبِّ إِنِّي أَخَافُ﴾ والخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة ﴿أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾؛ أي: أن ينكروا نبوتي وما أقول من أول الأمر. قال بعضهم: خوفه كان شفقة عليهم، وأصله يكذبوني، فحذفت ياء المتكلم استغناء بكسر نون الوقاية، ومثلها (٢): ﴿أَنْ يَقْتُلُونِ﴾، ﴿سَيَهْدِينِ﴾، ﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٧٨]، ﴿وَيَسْقِينِ﴾ [الشعراء: ٧٩]، ﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٨٠]، ﴿ثُمَّ يُحْيِينِ﴾، ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء: ١٠٨]، ﴿كَذَّبُونِ﴾ [الشعراء: ١١٧]، فهذه ثمان آيات أثبت الياء في جميعها يعقوب في الحالين.
١٣ - ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي﴾ معطوفان على ﴿أَخَافُ﴾؛ أي: يضيق صدري لتكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بتأدية الرسالة، واللسان: الجارحة وقوّتها. قال تعالى: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧)﴾ يعني من قوة لساني، فإن العقدة لم تكن في الجارحة، وإنما كانت في قوّتها التي هي النطق بها كما في "المفردات"، والمراد هنا القوّة التي هي النطق.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿وَيَضِيقُ﴾ و ﴿لا ينطلق﴾ بالرفع فيهما عطفًا على ﴿أَخَافُ﴾، فالمعنى: أنه يفيد ثلاث علل: خوف التكذيب، وضيق الصدر، وامتناع انطلاق اللسان، أو على الاستئناف، وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى وزيد بن علي وأبو حيوة وزائدة عن الأعمش ويعقوب بنصبهما عطفًا على ﴿يُكَذِّبُونِ﴾، فيكون التكذيب وما بعده يتعلق بالخوف، قال الفرّاء: كلا القراءتين له وجه، قال النحاس: الوجه الرفع؛ لأن النصب عطف على ﴿يُكَذِّبُونِ﴾، وهذا بعيد اهـ. وحكى أبو عمرو الداني عن الأعرج أنه قرأ بنصب ﴿وَيَضِيقُ﴾ ورفع ﴿وَلَا يَنْطَلِقُ﴾، وعدم انطلاق اللسان هو بما يحصل من الخوف وضيق الصدر؛ لأن اللسان إذ
(٢) زاد المسير.
(٣) البحر المحيط.