برحمة من الله ورضوان، وخصهم بالذكر لانتفاعهم بها. فـ ﴿هُدًى﴾ و ﴿بُشْرَى﴾ إما حالان من ﴿الآيات﴾، أو من الكتاب، كما فسرنا، ويجوز أن يكونا خبرين آخرين لـ ﴿تِلْكَ﴾، أو هما مصدران منصوبان بفعل مقدر؛ أي: يهدي هدى ويبشر بشرى.
٣ - ثم وصف المؤمنين الذين لهم الهدى والبشرى، فقال: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾؛ أي: يؤدون الصلوات الخمس بأركانها وشرائطها في مواقيتها. ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾؛ أي: يعطون الصدقة المفروضة للمستحقين. وتخصيص (١) الصلاة والزكاة بالذكر؛ لأنهما قرينتا الإيمان، وقطرا العبادات البدنية والمالية، مستتبعان لسائر الأعمال الصالحة، والموصول في محل جر صفة لـ ﴿لْمُؤْمِنِينَ﴾، أو بدل، أو عطف بيان منه، أو منصوب على المدح، أو مرفوع على تقدير مبتدأ. وجملة قوله: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ في محل النصب حال من ﴿الواو﴾ في الصلة، فهي من تتمة الصلة؛ أي: الذين (٢) يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، والحال أنهم يصدقون بالآخرة بأنها آتية مع ما فيها، ويعلمونها علمًا يقينًا لا شك فيه، فإن تحمل مشاق العبادات إنما يكون لخوف العاقبة والوقوف على المحاسبة. وكرر (٣) الضمير للدلالة على الحصر، كأنه قيل: أي: لا يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لا من عداهم، وجعل الخبر مضارعًا؛ للدلالة على التجدد في كل وقت، وعدم الانقطاع.
وقال أبو حيان (٤): ولما كان إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مما يتجدد ولا يستغرق إلا زمان.. جاءت الصلة فعلية، ولما كان الإيمان بالآخرة بما هو ثابت عندهم مستقر الديمومة.. جاءت الجملة اسمية، وأكد المسند إليه فيها بتكراره.
وفي "زاده" ولما كان (٥) إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مما يتكرر ويتجدد في

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.
(٥) زاده.


الصفحة التالية
Icon