والمعنى: أي (١) واذكر أيها الرسول الكريم لقومك قصة قول موسى لأهله، وقد سار بهم فضل الطريق في ليل دامس وظلام حالك، فرأى نارًا تأجج وتضطرب، فقال إني أبصرت نارًا سآتيكم منها إما بخبر عن الطريق أو آتيكم بشعلة من النار تستدفئون بها، وكان كما قال، فإنه رجع منها بخير عظيم، واقتبس نورًا جليلًا.
وقد كان هذا حين مسيره من مدين إلى مصر، ولم يكن معه سوى امرأته، وكانا يسيران ليلًا، فاشتبه عليهما الطريق والبرد شديد، وفي مثل هذه الحال يستبشر النَّاس بمشاهدة النار من بعد؛ لما يرجى فيها من زاول الحيرة، وأمن الطريق، ومن الانتفاع بها للاصطلاء، ومن ثم قال لها هذه المقالة.
٨ - ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا﴾؛ أي: فلما جاء موسى النار ووصل إليها، أي: جاء ذلك النور الذي ظنه نارًا. قال السدي: كان في النار ملائكة، والنار هنا مجرد نور، ولكنه ظن موسى أنها نار، فلما وصل إليها وجدها نورًا، وكانت الشجرة سمرة. ﴿نُودِيَ﴾ موسى من قبل الله تعالى؛ أي: جاءه النداء؛ وهو الكلام المسموع من جانب الطور، وأن في قوله: ﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ إما مفسرة بمعنى أي؛ لأن في النداء معنى القول؛ أي: قيل له (٢): بورك من في النار، وبورك: مجهول بارك، وهو خبر لا دعاء؛ أي: جعل مباركًا، وهو ما فيه الخير والبركة؛ أي: بورك من في مكان النار؛ وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله: ﴿نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ واستعملت ﴿مَن﴾ بمعنى (ما) حينئذ، ويدل عليه قراءة أبي: ﴿تباركت الأرض ومن حولها﴾ وعنه أيضًا: بوركت النار ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾؛ أي: ومن حول مكان النار.
والظاهر (٣): أن المبارك فيه عام في كل من في تلك البقعة وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات؛ لكونها مبعث الأنبياء، وكفاتهم أحياء وأمواتًا،

(١) المراغي.
(٢) النسفي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon