الخلق، وقد علم موسى عليه السلام أن النداء من الله تعالى؛ لما دل على ذلك من أن النار كانت مشتعلة على شجرة خضراء لم تحترق. وقال السدي: هو من كلام موسى؛ لما سمع النداء قال: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ تنزيهًا لله تعالى عن سمات المحدثين.
وحاصل معنى الآية: أي (١) فلما وصل موسى إلى النور الذي ظنه نارًا.. نودي بأن بورك من في مكان النار ومن حول مكانها، ومكانها هي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: ﴿نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ ومن حولها هو من في ذلك الوادي وحواليه من أرض الشام الموسومة بالبركات، ومهبط الخيرات؛ لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتًا. وقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تنزيه لنفسه عما لا يليق به في ذاته وحكمته، وإيذان بأن مدبر ذلك الأمر هو رب العالمين.
٩ - ﴿يَا مُوسَى﴾؛ أي (٢): إن مكلمك ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾؛ أي: القوي القادر على ما يبعد من الأوهام، كقلب العصا حية، وأمر اليد الفاعل ما أفعله بحكمة بالغة، وتدبير تامّ، و ﴿أَنَا﴾ خبر ﴿إن﴾، و ﴿اللَّهُ﴾ عطف بيان له، و ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: صفتان لله ممهدتان؛ لما أراد الله أن يظهره على يد موسى عليه السلام من المعجزات.
قيل (٣): معناه أن موسى قال: من المنادي؛ قال: إنه أنا الله. وقال أكثر المفسرين: إن الضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ ضمير الشأن، وجملة ﴿أَنَا اللَّهُ﴾ جملة مفسرة للشان.
١٠ - وقوله ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ معطوف على ﴿بُورِكَ﴾، فكلاهما تفسير ﴿نُودِيَ﴾؛ أي: نودي أن بورك من في النار، وأن ألق عصاك.
فإن قلت: لم قال هنا: و ﴿ألق﴾ بدون ذكر أن، وفي القصص بذكرها؟

(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon