نفسه من المرسلين بذنب صدر منه، كآدم ويونس وداود وموسى عليهم السلام، والتعبير فيهم بالظلم؛ لقول آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ وموسى ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾.
﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا﴾؛ أي: توبة وندما. ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾؛ أي: بعد عمل سوء ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ﴾ للتائبين ﴿رَحِيمٌ﴾؛ أي: مشفق عليهم بقبول توبتهم، وهذا تعريض لطيف بما وقع من موسى عليه السلام من وكزه القبطي. و (١) اختار النحاس هذا القول؛ أي: جعله استثناء متصلًا، وقال: علم من عصى منهم فاستثناه، فقال: إلا من ظلم، وإن كنت قد غفرت له كآدم وداود وموسى، ولا مانع من الخوف بعد المغفرة، فإن نبينا - ﷺ - الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يقول: "وددت أني شجرة تعضد".
وقيل: الاستثناء منقطع؛ أي: لكن من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء. وقيل: الاستثناء من محذوف، تقديره: أي: لا يخاف لدي المرسلون، وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم ثم بدل حسنًا إلخ. قاله الفراء، ورده النحاس. والمعنى: على الانقطاع؛ أي: لكن (٢) من ظلم من سائر العباد فإنه يخاف إلا إذا تاب فبدل بتوبته حسنًا بعد سوء فإني أغفر له، وأمحو ذنوبه، وجميع آثارها، كما فعل السحرة الذين آمنوا بموسى. وفي هذا بشارة عظيمة لسائر البشر، فإن من عمل ذنبًا ثم أقلع عنه وتاب وأناب فإن الله يتوب عليه، كما قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)﴾ وقال: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠)﴾
وقال أبو حيان: والأظهر (٣) أن قوله: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾: استثناء منقطع؛ إذ الأنبياء معصومون من وقوع الظلم والواقع من غيرهم. وقال الأخفش وأبو عبيدة: ﴿إِلَّا﴾: حرف عطف بمعنى ﴿الواو﴾ في التشريك في اللفظ، والمعنى: والتقدير: ولا من ظلم، وهذا ليسى بشيء؛ لأن معنى ﴿إِلَّا﴾ مباين لمعنى

(١) الشوكاني
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon