﴿الواو﴾ مباينة كثيرة؛ إذ ﴿الواو﴾ للإدخال؛ و ﴿إِلَّا﴾: للإخراج، فلا يمكن وقوع أحدهما موقع الآخر.
وقرأ أبو جعفر وزيد بن أسلم (١): ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف استفتاح وتنبيه، و ﴿مَنْ﴾ شرطية، وجوابها ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وقرأ الجمهور: ﴿حُسْنًا﴾ بضم الحاء وإسكان السين منونًا. وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني كذلك إلا أنه لم ينون، جعله فعلى فامتنع الصرف، وابن مقسم بضم الحاء والسين منونًا. وقرأ مجاهد وأبو حيوة وابن أبي ليلى والأعمش وأبو عمرو في رواية الجعفي وأبو زيد وعصمة وعبد الوارث وهارون وعياش بفتحهما منونًا.
قال شيخ الإِسلام زكريا: قوله تعالى: ﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ فإن قلت (٢): قال ذلك هنا، وقال في سورة القصص: ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ بزيادة ﴿أَقْبِلْ﴾، فلم خالف بين الموضعين؟
قلتُ: لأن ما هنا بني عليه كلام يناسبه، وهو ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ فناسبه الحذف، وما هناك لم يبن عليه شيء فناسبه زيادة ﴿أَقْبِلْ﴾ جبرًا له، وليكون في مقابلة مدبرًا؛ أي: أقبل آمنًا غير مدبر ولا تخف.
وقال أيضًا: قوله تعالى: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ...﴾ الآية، إن قلت: كيف وجه صحة الاستثناء فيه مع أن الأنبياء معصومون من المعاصي؟
قلتُ: الاستثناء منقطع؛ أي: لكن من ظلم من غير الأنبياء فإنه يخاف، فإن تاب وبدل حسنًا بعد سوء فإني غفور رحيم، أو متصل يحمل الظلم على ما يصدر من الأنبياء من ترك الأفضل، أو ﴿إِلَّا﴾ بمعنى: ولا، كما في قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وإنما خص المرسلين بالذكر؛ لأن الكلام في قصة موسى وكان من المرسلين، وإلا فسائر الأنبياء كذلك وإن لم يكن بعضهم رسلًا.
(٢) فتح الرحمن.