النبوة والملك بعد موته، وسخرت له الريح والشياطين؛ أي: صار إليه العلم والنبوة والملك بعد موت أبيه دون سائر أولاده، فسمي ميراثًا تجوزًا؛ لأن حقيقة الميراث في المال، والأنبياء إنما يرثون الكمالات النفسانية، ولا قدر للمال عندهم. وقال قتادة والكلبي (١): كان لداود تسعة عشر ولدًا ذكرًا، فورث سليمان من بينهم نبوته، ولو كان المراد وراثة المال لم يَخُصَّ سليمانَ بالذكر؛ لأن جميع أولاده في ذلك سواء، وكذا قال جمهور المفسرين: فهذه الوراثة هي وراثة مجازية، كما في قوله - ﷺ -: "العلماء ورثة الأنبياء".
وقال قتادة في معنى الآية (٢): ورث نبوته وملكه وعلمه، وأعطي ما أعطي داود، وزيد له تسخير الريح والشياطين، وكان أعظم ملكًا منه، وأقضى منه، وكان داود أشد تعبدًا من سليمان، شاكرًا لنعم الله تعالى، اهـ.
ثم ذكر بعض نعم الله عليه، ﴿وَقَالَ﴾؛ أي: سليمان تشهيرًا لنعمة الله تعالى عليه ودعاء للناس إلى الإيمان إلى التصديق به بذكر المعجزات الباهرة التي أوتيها؛ أي: لا فخرًا وتكبرًا.
قال البقلي (٣): إن سليمان عليه السلام أخبر الخلق بما وهبه الله تعالى؛ لأن المتمكن إذا بلغ درجة التمكين يجوز له أن يخبر الخلق بما عنده من موهبة الله؛ لزيادة المؤمنين، وللحجة على المنكرين. قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)﴾؛ أي قال سليمان متحدثًا بنعمة ربه ومنبها إلى ما شرفه به يكون أجدر ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا﴾ (النون) (٤) نون الواحد المطاع على عادة الملوك، فإنهم متكلمون مثل ذلك، رعاية لقاعدة السياسة، لا تكبرًا وتجبرًا. وكذا في ﴿وَأُوتِينَا﴾ وقال بعضهم: ﴿عُلِّمْنَا﴾؛ أي: أنا وأبي، وهذا ينافي اختصاص سليمان بفهم منطق الطير على ما هو المشهور؛ أي: علمنا الله سبحانه وتعالى ﴿مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾؛ أي: صوت الطير؛ أي: قال سليمان مخاطبًا للناس، تحدثًا بما أنعم الله به عليه،
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.