وشكرًا للنعمة التي خصه بها: يا أيها الناس إن ربي يسر لي فهم ما يريده الطائر إذا صوت، فأعطاني قوة أستطيع بها أن أتبين مقاصده التي يومىء إليها فضلًا منه ونعمة. والمعنى: علمنا فهم ما يقوله كل طائر إذا صوت.
وقدم منطق الطير (١)؛ لأنها نعمة خاصة به لا يشاركه فيها غيره. قال جماعة من المفسرين: إنه علم منطق جميع الحيوانات، وإنما ذكر الطير؛ لأنه كان جندًا من جنوده يسير معه لتظليله من الشمس. وقال قتادة والشعبي: إنما علم منطق الطير خاصة، ولا يعترض ذلك بالنملة، فإنها من جملة الطير، وكثيرًا ما تخرج لها أجنحة فتطير، وكذلك كانت هذه النملة التي سمع كلامها وفهمه.
وسميت (٢) أصوات الطير منطقًا اعتبارًا بسليمان الذي كان يفهمه، فمن فهم من شيء معنى.. فذلك الشيء بالنسبة إليه ناطق وإن كان صامتًا، وبالنسبة إلى من لا يفهم عنه صامت وإن كان ناطقًا.
وقد اجتهد (٣) كثير من الباحثين في العصر الحاضر فعرفوا كثيرًا من لغات الطيور؛ أي: تنوع أصواتها لأداء أغراضها المختلفة، من حزن وفرح، وحاجة إلى طعام وشراب، واستغاثة من عدو إلى نحو ذلك من الأغراض القليلة التي جعلها الله سبحانه للطير.
وفي هذا معجزة لكتابه الكريم؛ لقوله في آخر السورة: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾.
وإنك لتعجب إذ ترى اليوم أن كثيرًا من الأمم تبحث في لغات الطيور والحيوان والحشرات، كالنمل والنحل، وتبحث في تنوع أصواتها لتنوع أغراضها، فكأنه تعالى يقول: إنكم لا تعرفون لغات الطيور الآن، وعلمتها سليمان، وسيأتي يوم ينتشر فيه علم أحوال مخلوقاتي، ويطلع الناس على عجائب صنعي فيها.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.