الجن بساطًا من ذهب وإبريسم فرسخًا في فرسخ، وكان يوضع منبره في وسطه، وهو من ذهب فيقعد عليه، وحوله ست مئة ألف كرسي من ذهب وفضة، فتقعد الأنبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس، وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر.
وفي "أبي السعود" قوله: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾؛ أي: يحبس أوائلهم على أواخرهم؛ أي: يوقف أوائل العسكر حتى يلحقهم الأواخر، فيكونون مجتمعين لا يتخلف منهم أحد، وذلك للكثرة العظيمة. ويجوز أن يكون ذلك لترتيب الصفوف، كما هو المعتاد في العساكر، وفيه إشعار بكمال مسارعتهم إلى السير، وتخصيص حبس أوائلهم بالذكر دون سوق آخرهم مع أن التلاحق يحصل بذلك أيضًا؛ لما أن أواخرهم غير قادرين على ما يقدر عليه أوائلهم من السير السريع، وهذا كله إذا لم يكن سيرهم بتيسير الله الريح في الجو، اهـ.
١٨ - ﴿حَتَّى﴾: ابتدائية؛ لدخولها على الجملة، وغائية؛ لكونها غاية لمحذوف يدل عليه قوله: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ تقديره: فساروا حتى ﴿إِذَا أَتَوْا﴾ أي: ساروا مشاة على الأرض، وركبانًا حتى إذا أتوا وأشرفوا ﴿عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ من فوق، وبلغوا آخره، ولعلهم أرادوا أن ينزلوا عند منتهى الوادي؛ إذ حينئذ يخافهم ما في الأرض لا عند مسيرهم في الهواء، كما في "الإرشاد"، ولعل هذه القصة قبل تسخير الله له الريح. والوادي مسيل الماء، والنمل معروف، الواحدة نملة.
ومعنى واد النمل (١): وادٍ يكثر فيه النمل، كما يقال: بلاد الثلج لبلد يكثر فيه الثلج، والمراد هنا: واد بالشام أو بالطائف كثير النمل، والمشهور أنه النمل الصغير. وقيل: كان نمل ذلك المكان كالذئاب والبخاتي، ولذا قال بعضهم: ﴿في وادي النمل﴾: هو واد يسكنه الجن والنمل مراكبهم، ووقف القراء (٢) جميعهم على ﴿وَادِ﴾ بدون ياء إتباعًا للرسم، حيث لم يكن الحذف عندهم
(٢) زاد المسير.