للالتقاء الساكنين، كقوله: ﴿الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ إلا الكسائي، فإنه وقف بالياء، قال: لأن الموجب للحذف إنما هو التقاء الساكنين بالوصل.
والمعنى: فهم يسيرون ممنوعًا بعضهم من مفارقة بعض، حتى إذا أتوا على وادٍ النمل، وقطعوه، وبلغوا آخره، وأرادوا النزول. ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ من نمال الوادي؛ وهي ملكة النملة، وكانت عرجاء ذات جناحين في عظم الديك، أو النعجة، أو الذئب، واسمها منذرة أو طاخية، أو جرمى، سميت بهذا الاسم في التوراة أو في الإنجيل، أو في بعض الصحف الإلهية، سماها الله تعالى بهذا الاسم، وعرفها به الأنبياء قبل سليمان، وخصت بالتسمية لنطقها، وإلا فكيف يتصور أن يكون للنملة اسم علم، والنمل لا يسمي بعضهم بعضًا، ولا يتميز للآدميين صورة بعضهم من بعض حتى يسمونهم، ولا هم واقعون تحت ملك بني آدم كالخيل والكلاب ونحوهما، كما في كتاب التعريف والأعلام للسهيلي رحمه الله، وهي من الحيونات التي تدخل الجنة.
أي: قالت قولًا مشتملًا على حروف وأصوات على وجه النصيحة، وهو جواب ﴿إِذَا﴾.
﴿يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾؛ أي: حجركم ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾؛ أي: لا يكسرنكم من الحطم؛ وهو الكسر. ﴿سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يحطمنكم، ولا يعلمون بمكانكم، والجملة الاسمية حال من فاعل ﴿يَحْطِمَنَّكُمْ﴾؛ أي: والحال (١) أنهم لا يشعرون أنهم يحطمونكم؛ إذ لو شعروا لم يفعلوا؛ أي: إن من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده أنهم لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بأن لا يشعروا، كأنها شعرت عصمة الأنبياء من الظلم والأذى إلا على سبيل السهو.
وجعل خطاب النمل كخطاب العقلاء؛ لفهمها لذلك الخطاب، وجملة ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ نهي لهم عن الحطم، والمراد: نهيها عن التوقف والتأخر في دخول مساكنهم بحيث يحطمونها، قال مقاتل: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال،