وقرأ ابن كثير وابن محيصن وعاصم والكسائي وهشام وأيوب هنا وفي يس (١): ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ بفتح الياء، وقرأ حمزة ويعقوب والبزار بإسكانها في الموضعين، وقرأ الباقون بفتح التي في "يس" وإسكان التي هنا. قال أبو عمرو: لأن هذه التي هنا استفهام، والتي في "يس" نفي، واختار أبو حاتم وأبو عبيد الإسكان.
وخلاصة ذلك: اْغاب عني الهدهد الآن، فلم أره حين تفقدته، أم كان قد غاب من قبل ولم أشعر بغيبته.
وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى أن الواجب على الملوك التيقظ في مملكتهم وحسن قيامهم وتكفلهم بأمور رعاياهم، وتفقد أصغر رعيتهم، كما يتفقدون أكبرها بحيث لم يخف عليهم غيبة الأصاغر والأكابر منهم، كما أن سليمان تفقد حال أصغر طير من الطيور، ولم يخف عليه غيبته ساعة، ثم غاية شفقته على الرعية أحال النقص والتقصير إلى نفسه، فقال: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ وما قال: ما للهدهد لم أره؛ لرعاية مصالح الرعية، وتأديبهم، قال: ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ يعني: من الذين غابوا عني بلا إذني.
روي: أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس.. تجهز للحج، فوافى الحرم، وأقام به ما شاء، وكان ينحر في كل يوم طول مقامه فيه خمسة آلاف ناقة، وخمسة آلاف بقرة، وعشرين ألف شاة، ثم عزم على السير إلى اليمن، فخرج من مكة صباحًا، فوافى صنعاء وقت الزوال، فرأى أرضًا حسناء أعجبته خضرتها، فنزل بها ليتغذى ويصلي، فلم يجد الماء، فتفقد الهدهد، وكان حين اشتغل سليمان بالنزول ارتفع نحو السماء، فنزل إلى بستان بلقيس، فإذا هو بهدهد آخر، وكان اسم هدهد سليمان يعفور، وهدهد اليمن عفير، فقال: عفير ليعفور: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود، قال: ومن سليمان؟ قال: ملك الإنس والجن والشياطين، والطير والوحش والرياح، قال يعفور: ومن ملك هذه البلاد؟ قال عفير: امرأة يقال لها: بلقيس، وإن - لصاحبك ملكًا عظيمًا، ولكن ليس ملك بلقيس دونه،


الصفحة التالية
Icon