العقاب، وقال له: ويلك إن نبي الله قد حلف أن يعذبك، أو يذبحك، فطارا متوجهين نحو سليمان، فلما انتهى إلى العسكر تلقاه النسر والطير، فقالوا له: ويلك أين غبت في يومك هذا؟ فلقد توعدك نبي الله، وأخبروه بما قال سليمان، فقال الهدهد: أو ما استثنى نبي الله؟ فقالوا: بلى إنه قال: أو ليأتيني بلسطان مبين، فقال: نجوت إذًا، ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان، وكان قاعدًا على كرسيه، فقال: العقاب: قد أتيتك به يا نبي الله.
قرأ (١) ابن كثير وحده بنون التوكيد المشددة بعدها نون الوقاية. وقرأ الباقون بنون مشددة فقط؛ وهي نون التوكيد. وقرأ عيسى بن عمر بنون مشددة مفتوحة غير موصولة بالياء. وقرأ الجمهور: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ نون مشددة بعدها ياء المتكلم.
قال شيخ الإِسلام (٢): قوله تعالى: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١)﴾ توعد به سليمان الهدهد مع أنه غير مكلف بيانًا لكونه خص بذلك، كما خص بعلم منطقه. اهـ.
٢٢ - ﴿فَمَكَثَ﴾ الهدهد بعد تفقد سليمان إياه مكثًا ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي: غير طويل، أو مكث زمانًا غير مديد، يشير إلى أن الغيبة، وإن كانت موجبة للعذاب الشديد؛ وهو الحرمان من سعادة الحضور ومنافعه، ولكنه من أمارات السعادة سرعة الرجوع، وتدارك الفائت.
قرأ الجمهور: ﴿فَمَكَثَ﴾: بضم الكاف. وقرأ عاصم وحده بفتحها، ومعناه على القراءتين: أقام زمانًا غير طويل. قال سيبويه: مكث مكوثًا من باب قعد قعودًا. وقيل: إن الضمير في مكث لسليمان. والمعنى: بقي سليمان بعد التفقد والتوعد زمانًا غير طويل، والأول أولى.
وقرأ ابن مسعود: ﴿فتمكث﴾: بزيادة تاء من باب تفعل. ﴿فَقَالَ﴾ معطوف على محذوف تقديره: فمكث الهدهد غير بعيد، فجاء فعوتب على مغيبه، فقال معتذرًا عن ذلك: ﴿أَحَطْتُ﴾ علمًا ومعرفة ﴿بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ علمًا ومعرفة؛ أي:
(٢) فتح الرحمن.