علمت من الأمر ما لم تعلمه، ويجوز (١) إدغام التاء في الطاء، فقال: ﴿أحط﴾ وإدغام الطاء في التاء، فيقال: أحت.
وقيل: هنا محذوفات تقديرها (٢): فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما تواضعًا لسليمان، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه، وقال له: أين كنت؟ لأعذبنك عذابًا شديدًا، فقال: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد، وعفا عنه، ثم سأله، فقال: ما الذي أبطأك عني؛ فقال الهدهد: ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾؛ أي: علمت ما لم تعلم أيها الملك، وبلغت إلى ما لم تبلغ.
وذلك (٣) لأنه كان مما لم يشاهده سليمان، ولم يسمع خبره من الجن والإنس يشار إلى سعة كرم الله تعالى ورحمته بأن يختص طائرًا بعلم ما لم يعلمه نبي مرسل، وهذا لا يقدح في حال النبي - ﷺ - والرسول بأن لا يعلم علمًا غير نافع في النبوة.
والحاصل: أن الذي أحاط به الهدهد كان من الأمور المحسوسة التي لا تعد الإحاطة بها فضيلة، ولا الغفلة عنها نقيصة؛ لعدم توقف إدراكها إلا على مجرد إحساس يستوي فيه العقلاء وغيرهم. وفي "القرطبي": فإن قلت: كيف يخفى على سليمان مكانها، وكانت المسافة بينهما قريبة؛ وهو مسيرة ثلاث مراحل بين صنعاء ومأرب؟ فالجواب أن الله عَزَّ وَجَلَّ أخفى ذلك عنه لمصلحة رآها، كما أخفى مكان يوسف على يعقوب. اهـ.
وفي "الأسئلة المقحمة": هذا سوء أدب في المخاطبة، فكيف واجهه بمثله، وقد احتمله وعفاه؟ والجواب أنه لا بأس به؛ لأنه عقبه بفائدة، والخشونة المصاحبة بفائدة قد يحتملها الأكابر، انتهى.
ثم أشار إلى أنه بصدد إقامة خدمة مهمة له، كما قال: ﴿وَجِئْتُكَ﴾ أيها

(١) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon