وقيل: في (١) الآية تقديم وتأخير، تقديرها: فالقه إليهم، فانظر ماذا يرجعون، ثم قول عنهم؛ أي: انصرف إلى. فأخذ الهدهد الكتاب، وأتى به إلى بلقيس، وكانت بأرض مارب من اليمن على ثلاثة مراحل من صنعاء، فوجدها نائمة مستلقية على قفاها وقد غلقت الأبواب، ووضعت المفاتيح تحت رأسها،
٢٩ - فألقى الكتاب على نحرها، وتوارى في الكوة، فانتبهت فزعة، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت؛ لأن ملك سليمان كان في خاتمه، فعند ذلك ﴿قَالَتْ﴾ بلقيس لأشراف قومها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن أهل مشورتها كانوا ثلاث مئة واثني عشر رجلًا. ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ﴾ وهم عظماء قومها، يجمع على أملاء كنبا وأنباء ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾؛ أي: مختوم، وفي الكلام حذف، والتقدير: فذهب الهدهد، فألقاه إليهم، فسمعها تقول: يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم؛ أي (٢): مكرم علي معظم لدي؛ لكونه مختومًا بخاتم عجيب وأصلًا على نهج غير معتاد، كما قال في "الأسئلة المقحمة": معجزة سليمان كانت في خاتمه، فختم الكتاب بالخاتم الذي فيه ملكه، فأوقع الرعب في قلبها حتى شهدت بكرم كتابه إظهارًا لمعجزته، انتهى.
ويدل على أن الكريم هنا بمعنى المختوم. قوله - ﷺ -: "كرم الكتاب ختمه". وقيل: معنى ﴿كَرِيمٌ﴾: مرضي في لفظه ومعانيه، أو ﴿كَرِيمٌ﴾: شريف؛ لأنه صدر بالبسملة.
٣٠ - وقوله: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ﴾ استئناف بياني، كأنه قيل: ممن هو، وماذا مضمونه فقالت: إنه من سليمان؛ أي: إن هذا الكتاب مرسل من سليمان. ﴿وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾؛ أي (٣): وإن ما اشتمل عليه من الكلام، وتضمنه من القول مفتتح بالتسمية، وبعد التسمية
٣١ - ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾؛ أي: لا تتكبروا عليَّ كما

(١) الخازن بتصرف.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon