للحرب لم يرجعوا إليها، ولا نزلوا يوم الحرب منزلًا من منازلها.
﴿فِي جَيْبِكَ﴾؛ أي: طوق قميصك، وسمي جيبك؛ لأنه يجاب؛ أي: يقطع ليدخل فيه الرأس. ﴿جَحَدُوا بِهَا﴾ أي: كذبوها. ﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾؛ أي: علمت علمًا يقينيًا أنها من عند الله، والجحود: إنكار الشيء بعد المعرفة والإيقان تعنتًا، وأريد هنا التكذيب؛ لئلا يلزم استدراك قوله: ﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾.
﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾؛ أي: قام مقامه في النبوة والملك.
﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾؛ أي: أعطينا فهم ما يريده كل طائر إذا صوت. والمنطق: مصدر ميمي لنطق ينطق - من باب ضرب - نطقًا ومنطقًا ونطوقًا؛ أي: تكلم بصوت وحروف تعرف بها المعاني، والمنطق: الكلام، وقد يستعمل في غير الإنسان. يقال: سمعت منطق الطير.
وقال البيضاوي: والنطق والمنطق في المتعارف: كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردًا كان أو مركبًا، مفيدًا كان أو غير مفيد، وقد يطلق على ما يصوت به على التشبيه أو التبع، كقولهم: نطقت الحمامة إذا صوتت، ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد، وعلم المنطق: هو علم يبحث في صحيح الفكر وفاسده، فهو يضع القواعد التي تعصم الذهن من الوقوع في الأخطاء.
والطير جمع طائر، كريب وراكب، وهو كل ذي جناح يسبح في الهواء ويجري، وكان سليمان يعرف نطق غير الطير أيضًا، كما يجيء من قصة النمل، لكنه أدرج هذا في قوله ﴿وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ وخص منطق الطير؛ لشرف الطير على سائر الحيوان.
﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ﴾ الحشر: إخراج الجماعة من مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب وغيرها.
﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾؛ أي: يحبس أولهم ليلحق آخرهم، فيكونون مجتمعين لا يتخلف منهم أحد. وفي "المختار": وزعه يزعه وزعًا مثل وضعه يضعه وضعًا؛ أي: كله فانتزع هو؛ أي: كف، وأوزعه بالشيء أغراه به، واستوزعت الله