المرضعات، ويشرب لبن غير أمه، بأن أحدثنا فيه كراهة ثدي النساء والنفار عنها، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل تقصي أخته أثره، أو من قبل أن نرده على أمه، كما قال في "الجلالين"، أو من قبل مجيء أمه كما قاله أبو الليث، أو في القضاء السابق؛ لأنا أجرينا القضاء بأن نرده إلى أمه كما في "كشف الأسرار".
أي (١): منعنا موسى أن يرتضع من المرضعات التي أحضرها فرعون من قبل مجيء أمه، قال الضحاك: كانت أمه قد أرضعته ثلاثة أشهر حتى عرف ريحها، وروي (٢) أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثديًا وهو يصيح، فقالوا لأخت موسى بعد نظرها له، وقربها منه: هل عندك مرضعة تدلينا عليها، لعله يقبل ثديها.
﴿فَقَالَتْ﴾؛ أي: أخت موسى لآل فرعون، عند عدم قبوله ثدي أحد من المرضعات ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ﴾ أي: يربونه ﴿لَكُمْ﴾ ويضمنون رضاعه، ويقومون بجميع مصالحه ﴿وَهُمْ﴾؛ أي: والحال أن أهل ذلك البيت ﴿لَهُ﴾ أي: لهذا الغلام ﴿نَاصِحُونَ﴾؛ أي: حافظون يبذلون النصح في أمره، ولا يقصرون في إرضاعه وتربيته.
قال السدي: لما قالت مريم ذلك أخذوها، وقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام، فدلينا على أهله، فقالت: ما أعرفه، روي أنهم قالوا لها: من يكفل؟ قالت: أمي، قالوا: ألأمك لبن؟ قالت: نعم لبن هارون، وكان هارون وُلد في سنة لا يقتل فيها صبي، فقالوا صدقت.
روي (٣): أن هامان لما سمعها قال: إنها لتعرفه وأهله، خذوها حتى تخبر من له؟ فقالت: إنما أردت وهم للملك ناصحون، تعني أرجعت الضمير إلى الملك، لا إلى موسى، تخلصًا من يده، فقال هامان: دعوها لقد صدقت، فأمرها فرعون بأن تأتي بمن يكفله، فأتت بأمه، وموسى على يد فرعون يبكي،
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.