يوسف ﴿وَاسْتَوَى﴾؛ أي: انتهى شبابه، وتكامل عقله، والاستواء من الثلاثين إلى الأربعين، وقال في يوسف: ﴿بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ فقط؛ لأنه أوحي إليه في صباه حين كان في البئر، وموسى عليه السلام أوحي إليه بعد أربعين سنة، كما قال سبحانه: ﴿آتَيْنَاهُ﴾؛ أي: أعطينا موسى ﴿حُكْمًا﴾؛ أي: نبوة (١) ﴿وَعِلْمًا﴾؛ أي: فقهًا في الدين، أو علمًا بمصالح الدارين، أو علم الحكماء والعلماء، أو سمتهم قبل استنبائه، فلا يقول قولًا، ولا يفعل فعلًا يُستجهل فيه، وهو أوفق لنظم القصة، لأنه تعالى استنبأه بعد الهجرة والمراجعة اهـ. "أبو السعود".
والمراد بالهجرة خروجه إلى مدين، وبالمراجعة رجوعه منها اهـ "شهاب"، وكان عمره عند رجوعه من مدين أربعين سنة؛ لأنه أقام في مصر ثلاثين سنة ثم ذهب إلى مدين، وأقام فيها عشر سنين، ووقعة قتل القبطي كانت قبل ذهابه إلى مدين فهو السبب فيه.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ أي: كما جزينا موسى وأمه ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ على إحسانهم؛ أي: وكما جزينا موسى على طاعته إيانا، وصبره على أمرنا بالحكم والعلم، وجزينا أمه على استسلامها أمرنا، حين ألقت ولدها في البحر تصديقًا لوعدنا؛ أي: كما جزيناها برد ولدها إليها، وجعله من المرسلين، نجزي كل من أحسن من عبادنا، وأطاع أمرنا، وانتهى عما نهيناه عنه، على إحسانه أيًا كان، والمراد العموم، وفي الآية تنبيه على أنهما كانا محسنين في عملهما، متَّقين في عنفوان عمرهما، فمن أدخل نفسه في زمرة أهل الإحسان جازاه الله بأحسن الجزاء.
حكي (٢): أن امرأة كانت تتعشى، فسألها سائل، فقامت ووضعت في فمه لقمة، ثم وضعت ولدها في موضع، فاختلسه الذئب، فقالت: يا رب ولدي، فأخذ آخذ عنق الذئب، واستخرج الولد من فيه بغير أذًى، وقال لها: هذه اللقمة بتلك اللقمة التي وضعتها في فم السائل.
١٥ - وبعد أن أخبر بتهيئته للنبوة، ذكر ما كان السبب في هجرته إلى مدين،

(١) النسفي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon