وتوالي الأحداث الجسام عليه، فقال: ﴿وَدَخَلَ﴾ موسى عليه السلام ﴿الْمَدِينَةَ﴾؛ أي: مديثة منف، وهي مدينة فرعون موسى، التي كان ينزلها، وفيها كانت الأنهار تجري تحت سويره، وكانت في غربي النيل، على مسافة اثني عشر ميلًا من مدينة فسطاط مصر، المعروفة يومئذ بمصر القديمة، ومنف بفتح الميم وسكون النون، وقيل: بضم الميم وسكون النون، يمنع من الصرف للعلمية والعجمة، أو التأنيث، أصلها مآفة، ومعناها (١) بلغة القبط ثلاثون؛ لأنها أول مدينة عُمِّرت بأرض مصر بعد الطوفان، نزلهار بن حام بن نوح في ثلاثين رجلًا، فسُمِّيت مآفت، ثم عُرِّبت فصارت منف، وكانت دار الملك بمصر في قديم الزمان.
قيل: إن موسى عليه السلام لما بلغ أشده، وآتاه العلم في دينه ودين آبائه علم أن فرعون وقومه على الباطل، فتكلم بالحق، وعاب دينهم، واشتهر ذلك منه، حتى آل الأمر إلى أن خافوه وخافهم، وكان له من بني إسرائيل شيعة يقتدون به، ويسمعون منه، وبلغ في الخوف بحيث ما كان يدخل مدينة فرعون إلا خائفًا فدخلها يومًا ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾؛ أي: حال كونه مستخفيًا، في وقت غفلة كائنة من أهل المدينة؛ أي: وقت غفلتهم من دخوله؛ أي: دخلها في وقت لا يُعتاد دخولها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: دخلها في الظهيرة عند المقيل، وقد خلت الطرق؛ أي: دخلها وقت كونهم قائلين غافلين، مشغولين بنوم القيلولة، ﴿فَوَجَدَ فِيهَا﴾؛ أي: في المدينة بعد دخولها ﴿رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ﴾ ويتضاربان، ويلازمان مقدمات القتل من الضرب والقتل.
﴿هَذَا﴾ أي: أحدهما ﴿مِنْ شِيعَتِهِ﴾؛ أي: من شايعه وتابعه في دينه، وهم بنو إسرائيل، قيل: هو السامري ﴿وَهَذَا﴾ أي: الآخر ﴿مِنْ عَدُوِّه﴾؛ أي: من المعادين له على دينه، وهم قوم فرعون.
﴿فَاسْتَغَاثَهُ﴾؛ أي: طلب من موسى أن ينصره ويعينه ﴿الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ﴾؛

(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon