حرًا، وإن كان عبدًا فلها الخدمة، فإن خدمة العبد ابتغاء بالمال، لتضمنها تسليم رقبته، ولا كذلك الحر، فالآية سواء حُملت على الصداق، أو على الشرط، فناظرة إلى شريعة شعيب، فإن الصداق في شريعتنا للمرأة، لا للأب. والشرط وإن جاز عند الشافعي، لكنه لكونه جرًا لمنفعة المهر ممنوع عند الإِمام أبي حنيفة رحمهما الله تعالى، وقال بعضهم: ما حُكي عنهما بيان لما عزما عليه، واتفقا على إيقاعه، من غير تعرض لبيان موجب العقدين في تلك الشريعة تفصيلًا.
واعلم: أن في فرار موسى من فرعون إلى شعيب إشارة إلى أنه ينبغي لطالب الحق أن يسافر من مقام النفس الأمارة إلى عالم القلب، ويفر من سوء قرين، كفرعون إلى خير قرين كشعيب، ويخدم المرشد بالصدق والثبات.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ قاله هنا (١) بلفظ الصالحين، وفي الصافات بلفظ ﴿الصَّابِرِينَ﴾ حيث قال: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ لأن ما هنا من كلام شعيب، وهو المناسب للمعنى هنا، إذ المعنى ستجدني من الصالحين في حسن العشرة والوفاء بالعهد، وما هناك من كلام إسماعيل، وهو المناسب للمعنى، ثم إذ المعنى ستجدني من الصابرين على الذبح.
٢٨ - ثم ذكر جواب موسى بقوله: ﴿قَالَ﴾ موسى عليه السلام لشعيب ﴿ذَلِكَ﴾ الذي قلته وعاهدتني فيه، وشارطتني عليه قائم وثابت ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ جميعًا، لا أنا أخرج عما شرطت عليَّ، ولا أنت تخرج عما شرطت على نفسك، ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾ الثمانية الأعوام والعشرة الأعوام، فأي شرطية (٢)، منصوبة بـ ﴿قَضَيْتُ﴾، وما زائدة مؤكدة لإبهام أي في شياعها، والأجل مدة الشيء.
والمعنى: أي الأجلين أكثرهما أو أقصرهما ﴿قَضَيْتُ﴾ وأتممت ووفيتك بأداء الخدمة فيه، وجواب الشرط قوله: ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾؛ أي: لا تعدي علي، ولا تجاوز بطلب الزيادة، فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة

(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon