يَسْقُونَ} إلى قوله: ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ فقد حذف المفعول به في أربعة أماكن، أحدها مفعول ﴿يَسْقُونَ﴾؛ أي: مواشيهم، والثاني مفعول ﴿تَذُودَان﴾؛ أي: مواشيهما، والثالث ﴿لَا نَسْقِي﴾؛ أي: مواشينا، والرابع ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾؛ أي: مواشيهما، وعلة الحذف أن الغرض هو أن يُعلم أنه كان من الناس سقي، ومن البنتين ذود، وأنهما قالتا: لا نسقي؛ أي: لا يكون منا سقي حتى يصدر الرعاء، وأنه كان من موسى سقي، فأما كون المسقي غنمًا أو إبلًا أو غير ذلك، فذلك أمر خارج عن نطاق الغرض.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ فقد أرادتا أن تقولا له: إننا امرأتان ضعيفتان مستورتان، لا نقدر على مزاحمة الرجال، وما لنا رجل يقوم بذلك، وأبونا شيخ طاعن في السن، فقد أضعفه الكبر وأعياه، فلا مندوحة لنا عن ترك السقيا، وإرجائها إلى أن يقضي الناس أوطارهم من الماء، وبذلك طابق جوابهما سؤاله، لأنه سألهما عن علة الذود، فقالتا ما قالتاه.
ومنها: الاستعطاف والترحم في قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير﴾ وفيه أيضًا التعبير بالماضي عن المضارع في قوله: ﴿لِمَا أَنْزَلْتَ﴾؛ أي: إلى ما تنزله إلي.
ومنها: الإشارة في قوله: ﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ فقد أشار بلمح خاطف يشبه لمح الطرف، وبلغة هي لغة النظر إلى وصف جمالها الرائع الفتان باستحياء، لأن الخفر من صفات الحسان، ولأن التهادي في المشي من أبرز سماتهن.
قال الأعشى:

كَأنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتهَا مَرُّ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾.
ومنها: الإتيان بالكلام الجامع المانع الحكيم في قوله: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان في القائم بأمرك والمتعهد لشؤونك، وهما الكفاية والأمانة فقد فرغ بالك، وتم أمرك، وسهل


الصفحة التالية
Icon