الموصوفون بما ذكر من النعوت ﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ﴾ أي: يعطون ثوابهم في الآخرة ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ مرة على إيمانهم بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن، أو بإيمانهم بنبينهم أولًا، وبإيمانهم بمحمد - ﷺ -، أو بإيمانهم بمحمد قبل بعثته وبعد بعثته. والباء في قوله: ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ للسببية أي: بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمانين، والعمل بالشريعتين.
وفي "التأويلات النجمية" (١): على مخالفة هواهم، وموافقة أوامر الشرع ونواهيه، وفي الحديث: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل كانت له جارية، فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم تزوجها فله أجره مرتين، وعبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل آمن بالكتاب الأول، ثم آمن بالقرآن، فله أجره مرتين" متفق عليه.
﴿وَيَدْرَءُونَ﴾؛ أي: يدفعون ﴿بـ﴾ ـالخصلة ﴿الْحَسَنَةِ﴾ وبالطاعة الخصلة ﴿السَّيِّئَةَ﴾؛ أي: القبيحة والمعصية، أو بالقول الحسن القول القبيح، أو بالاحتمال والصفح ما يلاقونه من الأذى. وقيل بالتوبة والاستغفار الذنوبَ. وقيل: بشهادة أن لا إله إلا الله الشركَ.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾؛ أي: وينفقدن مما أعطاهم الله من فضله من المال الحلال النفقات الواجبة لأهلهم، وذوي قرباهم، ويؤدون الزكاة المفروضة عليهم، ويساعدون البائسين وذوي الخصاصة المعوزين.
٥٥ - ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو فقال: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ﴾؛ أي: ما لا ينفع في دين ودنيا ﴿أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾؛ أي: عن اللغو ﴿وَقَالُوا﴾ لِلَّاغين ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا﴾ من الحلم والصفح ونحوهما ﴿وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ من اللغو والسفاهة وغيرهما، فكل مطالب بعمله، فلا يلحقنا من ضرر كفركم شيء، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء ﴿سَلَامٌ﴾ وأمنة منا، وبراءة من ضررنا عليكم، فلا نقابلكم بمثل ما فعلتم بنا، ولا نجازيكم عليه، لأن المراد بالسلام هنا سلام متاركة وإعراض عن

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon