الآخرة، أين هم لينصروكم من هذا الذي نزل بكم.
والمعنى (١): أي واذكر أيها الرسول لقومك يوم ينادي رب العزة هؤلاء الذين يضلون الناس، ويصدون عن سبيل الله، فيقول لهم: أين شركائي من الملائكة والجن والكواكب والأصنام، الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم لي شركاء؟ ليخلصوكم من هذا الذي نزل بكم من العذاب، وهذا السؤال للإهانة والتحقير، لأنهم عرفوا بطلان ما كانوا يفعلون، ونحو الآية قوله: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)﴾.
قال في "كشف الأسرار": وسؤالهم عن ذلك ضرب من ضروب العذاب، لأنه لا جواب لهم إلا ما فيه فضيحتهم، واعترافهم بجهل أنفسهم.
٦٣ - ثم ذكر جواب هؤلاء الرؤساء الدعاة إلى الضلال، فقال: ﴿قَالَ﴾ (٢) استئناف مبني على حكاية السؤال، كأنه قيل: فماذا صدر عنهم حينئذ فقيل: قال: ﴿الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ في الأزل بأن يكونوا من أهل النار، يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ...﴾ الآية، كما في "التأويلات النجمية".
وقال بعض أهل التفسير: معنى ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ ثبت مقتضاه، وتحقق مؤداه، وهو قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ وغيره من آيات الوعيد، والمراد بهم شركاؤهم من الشياطين، أو رؤساؤهم الذين اتخذوهم أربابًا من دون الله، بأن أطاعوهم في كل ما أمروهم به ونهوهم عنه.
وتخصيصهم بهذا الحكم مع شموله للأتباع أيضًا، لأصالتهم في الكفر، واستحقاق العذاب، ومسارعتهم إلى الجواب مع كون السؤال للعبدة، لتفطنهم أن السؤال عنهم لاستحقارهم وتوبيخهم بالإضلال، وجزمهم بأن العبدة سيقولون هؤلاء أضلونا ﴿رَبَّنَا﴾؛ أي: يا مالك أمرنا ﴿هَؤُلَاءِ﴾ الأتباع والعبدى، مبتدأ

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon