﴿وَالْعَاقِبَةُ﴾ المحمودة وهي الجنة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ أي: لمن اتقى عذاب الله بعمل الطاعات، وترك المحرمات، ولم يكن كفرعون في الاستكبار على الله بعدم امتثال أوامره والارتداع عن زواجره، ولا كقارون في إرادة الفساد في الأرض.
٨٤ - ثم بيَّن ما يكون في تلك الدار من الجزاء على الأعمال، فقال: ﴿وَمَنْ جَاءَ﴾ الله يوم القيامة متصفًا ﴿بِالْحَسَنَةِ﴾ المقبولة الأصلية المعمولة ﴿فَلَهُ﴾ بمقابلتها ﴿خَيْرٌ مِنْهَا﴾؛ أي: ثواب خير منها، ذاتًا ووصفًا وقدرًا بالمضاعفة (١)، أما الخيرية ذاتًا فظاهرة في أجزية الأعمال البدنية؛ لأنها أعراض وأجزيتها جواهر، وكذا في المالية إذ لا مناسبة بين زخارف الدنيا ونفائس الآخرة في الحقيقة، وأما وصفًا فلأنها أبقى وأنقى من الآلام والأكدار، وأما قدرًا فللمقابلة بعشر أمثالها لا أقل، يعني: أنه يجازي بالحسنة الواحدة عشرًا، فيكون الواحد ثوابًا مستحقًا، والتسعة تفضلًا وجودًا، والتسعة خير من الواحد من ذلك الجنس.
ومثل المعمولة ما في حكمها (٢)، كما لو تصدق عنه غيره، فخرج بالمعمولة ما لو هم بحسنة فلم يعملها لمانع، فإنه يجازى عليها من غير تضعيف، وخرجت الحسنة المأخوذة في نظير الظلامة، فلا تضاعف له، كما لو ضرب زيد عمرًا ضربة، وكان لزيد حسنات موجودة، فيؤخذ منها وُيُعطى لعمرو، وخرج بالأصلية الحسنات الحاصلة بالتضعيف فلا تضاعف، والتضعيف خاص بهذه الأمة، وأما غير هذه الأمة من بقية الأمم فلا تضعيف لهم.
﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ وهي ما يذم فاعلها شرعًا، كالشرك والرياء والجهل ونحوها ﴿فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ وضع فيه الظاهر موضع الضمير لتهجين حالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم، وفائدة هذه الصورة انزجار العقلاء عن ارتكاب السيئات، ﴿إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: إلا مثل ما كانوا يعملونه، فحُذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه مبالغة في المماثلة، ومن فضله العظيم أن لا

(١) روح البيان.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon